من فوبيا الوجود إلى نهاية الذريعة: لماذا سقط سلاح حزب الله سياسيًا؟

بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

من فوبيا الوجود إلى نهاية الذريعة: لماذا سقط سلاح حزب الله سياسيًا؟

‎حرب 2024 لم تكن مجرد مواجهة عسكرية بين إسرائيل وحزب الله، بل لحظة انهيار كلي للمشروع السياسي الذي طالما اختبأ خلف راية "المقاومة". للمرة الأولى، خرج اللبنانيون من الحرب وهم يسألون بصوت واحد: من يحمي من؟ ومن يهدد من؟

‎زيارة الموفد الأميركي توم براك، بكل ما حملته من إشارات دبلوماسية ومواقف حادة، جاءت لتضع النقاط على الحروف: لا استثناء بعد اليوم، ولا سلاح خارج الدولة. في المقابل، لم يعد لدى الحزب إلا ورقة واحدة: خطاب التخويف من خطر وجودي، بات أكثر افتعالًا من أي وقت مضى.

‎الضربات التي تلقاها الحزب في العمق – من مقتل نصرالله، إلى تدمير البنية القيادية واللوجستية في الضاحية والجنوب – شكّلت نقطة تحوّل كبرى:
‎سقوط الردع.
‎تآكل الهيبة داخل بيئته الحاضنة.
‎انكشاف الجبهة بلا غطاء سياسي أو عسكري.
‎هذه ليست هزيمة ميدانية فحسب، بل انكشاف استراتيجي أسقط ذريعة السلاح كمصدر حماية، وحوّله إلى عبء وجودي على لبنان نفسه.
‎مفاوضات براك: لحظة الحقيقة بين الدولة والدولة داخل الدولة
‎براك لم يأتِ بتسويات. جاء برسالة صارمة: المجتمع الدولي لن ينتظر طويلاً. فإما دولة بسلاح موحّد، أو منطقة رمادية ستُعزل بالكامل.
‎الرئيس عون سلّم مذكرة تُعبّر عن أول موقف وطني جامع منذ اتفاق الطائف، تؤكد على حصرية السلاح وقرار الحرب.
‎الحزب رد عبر رسائل ميدانية وسياسية برفض أي تلازم بين الانسحاب الإسرائيلي ونزع سلاحه.
‎براك قالها صراحة: "لن نرغم إسرائيل على شيء، ولن نقدم ضمانات. أنتم أصحاب القرار، ونحن سنحكم على النتيجة."
‎ خطاب التخويف: استراتيجية مأزومة لا مشروع مقاومة
‎حين يتحوّل السلاح إلى غاية، لا وسيلة، يبدأ تبرير بقائه بالذعر:
‎خطر وجودي على الطائفة.
‎تهديد للهوية.
‎مشروع دولي لإضعاف المقاومة.

‎لكن هذه الخطابات فقدت تأثيرها:
‎الحاضنة الشيعية منقسمة.
‎الطائفة السنية والمسيحية والدرزية موحّدة خلف منطق الدولة.
‎العرب والعالم لن يعترفوا بسلاح خارج الشرعية.

‎الخوف لم يعد خطابًا مقنعًا، بل أصبح دلالة على فشل المشروع نفسه.
‎من دمّر المرفأ بصمته السياسي، وعطّل الرئاسة، وفرض المحاور على الدولة، لا يمكنه الحديث عن الاستقرار.
‎لا يمكن لوكيل مشروع إقليمي أن يدّعي تمثيلًا وطنيًا.
‎من يعطّل القضاء لا يستطيع الدفاع عن السيادة.
‎من يحتكر السلاح لن يكون شريكًا في حماية بلد، بل شريكًا في تهديده.

‎الرسالة التي حملها توم براك، والتي باتت محور كل نقاش عربي–دولي حول لبنان، كانت واضحة: لن تكون هناك دولة بجيشين، ولا سياسة بسيادتين، ولا وطن بفوهة بندقية.
‎هذه ليست توصية، بل تحذير استراتيجي. لبنان اليوم أمام لحظة نادرة:
‎إما أن يستعيد المبادرة باسم الدولة.
‎أو يفقد دوره بالكامل في المعادلة الإقليمية والعالمية.

‎ما بعد 2024 لا يشبه ما قبلها.
‎السلاح الذي بقي بحجّة العدو، صار هو العدو.
‎والطائفة التي كانت تختبئ خلف خطاب الحماية، صارت أول المتضررين من غياب الدولة.
‎اللبنانيون تعبوا من الاستثناء. والعرب والعالم لم يعودوا يصدّقون لعبة "المقاومة المحاصرة".
‎إما دولة واحدة بسلاح واحد… أو لا دولة على الإطلاق.