"Maitre بري".. العرّاب الذي صادر الدولة وحوّل البرلمان إلى مقبرة للبنان!
خاص مراسل نيوز
في لبنان، حيث السياسة مسرح عبثي لا نهاية له، لا يزال نبيه بري يتصدر المشهد، لكن هذه المرة ليس كـ"مايسترو التسويات"، بل كعرّاب الفراغ والتعطيل. الرجل الذي كان يُعرف بإتقانه تدوير الزوايا، بات اليوم أداة صلبة في يد الثنائية السياسية، يستخدم البرلمان كدرع لحماية نفوذه، بينما البلد يغرق في أزمات لا تنتهي.
منذ أكثر من ثلاثة عقود، يجلس بري على رأس المؤسسة التشريعية، لا ليشرّع، بل ليقفل الأبواب، يعطل الانتخابات، ويدير الأزمة السياسية كأنها سلعة قابلة للبيع والمقايضة. لم يعد صانع ألعاب، بل أصبح صانع فراغ، يحرك المشهد السياسي ببطء، ليبقى كل شيء تحت سيطرة الثنائية التي يرعاها. لكن السؤال الأهم اليوم: هل ما زال لبنان قادرًا على تحمل "سحر" بري السياسي، أم أن سحره انقلب عليه؟
"Maitre" تدوير الزوايا.. سياسة لإطالة عمر السلطة!
في لبنان، يسمون "قلب المعادلات" بـ"تدوير الزوايا"، وبري هو سيد هذا الفن. الرجل الذي يُتقن إعادة تدوير شخصيات أكلها الزمن السياسي، قادر على إيجاد حلول لأي أزمة إذا أراد، أو إذا طُلب منه ذلك. أعطِه أي مأزق سياسي، وسيخرج لك منه بحلّ ولو كان صوتيًا فقط، تمامًا كما يخرج الساحر الأرانب من القبعة.
لكن هذه المرة، لم يعد السحر ينطلي على أحد. تدوير الزوايا لم يعد حلاً في بلد ينهار، بل بات وسيلة لحماية الطبقة الحاكمة من المساءلة والمحاسبة. فعندما احتاجت البلاد إلى رئيس جديد، لم يكن بري سوى مهندس العرقلة، يغلق البرلمان بقراراته، ويفتحه فقط عندما تناسبه اللعبة. وعندما انفجرت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، لم يكن هناك أي مبادرة تشريعية جدية لوقف النزيف، لأن "Maitre" التعطيل كان يدير الوقت بدل صناعة الحلول.
منذ عام 1992، لم يكن البرلمان اللبناني أكثر من غرفة انتظار، يقرر بري متى تفتح ومتى تغلق، وفق إيقاع الثنائية التي يمثل أحد أعمدتها. الجلسات تُفتح بانتقائية، تُدار الصفقات خلف الأبواب المغلقة، وتُقتل الاستحقاقات الوطنية بالتأجيل والتسويف.
في الانتخابات الرئاسية، أصر بري على إدارة المسرحية السياسية بأسلوبه المعتاد، جلسات بلا نتيجة، ومواقف رمادية تُخفي قرارًا واضحًا: لا رئيس من دون موافقة الثنائية. وعندما وصل الانهيار المالي إلى ذروته، لم يكن هناك أي محاولة لتمرير قوانين تحمي الشعب من الكارثة، بل استمر بري في حماية نظام المصالح، حيث تبقى السلطة بيد قلة، والشعب يدفع الثمن.
لطالما قدّم بري نفسه كوسيط بين القوى السياسية، لكنه اليوم لم يعد الحكم، بل أصبح لاعبًا أساسيًا في فريق التعطيل. لم يعد هو الرجل الذي "يمسك العصا من المنتصف"، بل الرجل الذي يستخدم العصا لفرض معادلة واحدة: لا شيء يتحرك من دون موافقته.
لكن اللعبة تغيرت، ولم يعد لبنان قادرًا على تحمل هذا النوع من السياسة. البلد بحاجة إلى حلول، لا إلى مناورات؛ إلى قرارات حاسمة، لا إلى تدوير زوايا. لم يعد السحر يجدي نفعًا، ولم يعد بإمكان "Maitre" المناورات أن يخفي الحقيقة: لبنان ينهار، والسبب ليس إلا هذا النظام السياسي الذي أدارته شخصيات مثل بري لعقود، حتى أوصلت البلاد إلى الهاوية.
أما "Maitre بري"، فقد بات عنوانًا لمرحلة سياسية انتهت صلاحيتها، لكنه يصر على البقاء، ولو كان الثمن هو سقوط لبنان في المجهول.