السنة ومسؤوليتهم الوطنية.. في سبيل اعادة تشكيل الحالة السياسية

بقلم الكاتب والباحث السياسي ربيع المصري

السنة ومسؤوليتهم الوطنية.. في سبيل اعادة تشكيل الحالة السياسية

لا يمكن الوقوف باستسهال أمام حالة البروز التي تسجلها الجماعة الإسلامية على الساحة اللبنانية عموماً والسنية خصوصاً. تجدد نشاط الجماعة يأتي في ظل ظروف تبدو وكأنها تعاكس الرياح على المستويين العربي والإقليمي، خصوصاً في ظل اشتداد الحملات على قوى الإسلام السياسي وتشديد التطويق الذي ستتعرض له هذه القوى في مرحلة مقبلة. عملياً، يبرز دور الجماعة الإسلامية في ظل فراغ سنّي عميم على الساحة اللبنانية، ولأن الطبيعة لا تقبل الفراغ تجد الجماعة لها منفذاً انطلاقاً من مواكبة الحرب على غزة وتنفيذ عمليات انطلاقاً من جنوب لبنان.

 

 

 

العمليات التي نفذتها الجماعة الإسلامية تبرزها حالياً في لبنان كجسم سياسي وعسكري منظم يسعى لتعزيز حضوره على الساحة الداخلية، مستفيداً من حالة الفراغ السنّي القائم منذ تعليق تيار المستقبل لعمله السياسي وفي ظل عدم قدرة أي جهة داخلية على انتاج قوة سياسية معتدلة تسد الفراغ وتستعيد المبادرة، وفي ظل عدم اهتمام إقليمي وعربي تحديداً في إعادة انتاج قوة سياسية سنية معتدلة علماً أن مسار الفراغ امتد لسنوات. هناك جهات عديدة توصل رسائل الى المملكة العربية السعودية حول ضرورة اعادة النظر في موقفها تجاه الساحة اللبنانية ولا سيما الساحة السنية، من خلال العمل على اعادة انتاج قوة معتدلة قادرة على اعادة تشكيل ميزان القوى.

 

 

 

الى جانب العمليات العسكرية التي تنفذها الجماعة الإسلامية ضد اسرائيل، فقد شهدت المناطق اللبنانية 3 عراضات مسلحة للجماعة، الأولى في بيروت وتحديداً منطقة الطريق الجديدة خلال تشييع القيادي في حركة حماس صالح العاروري. والثانية في مدينة صيدا بعد استشهاد عدد من عناصر الجماعة في الجنوب. والثالثة امتدت من طرابلس الى عكار في تشييع قياديين في قوات الفجر قضيا بغارة اسرائيلية في البقاع الغربي. ثلاثة عروض عسكرية حملت مؤشرات استدعت استنفاراً ديبلوماسياً للبحث عن حقيقة واقع الجماعة وإمكانية تمددها على الساحة السنية واللبنانية وما يمكن لذلك أن يحدثه من تغييرات في المرحلة المقبلة، لا سيما ان التقارب بين الجماعة الإسلامية وحزب الله سيسهم أكثر في إضعاف السنة الآخرين، وإظهار التقارب السني الشيعي ما سيستدعي المزيد من الخوف لدى المسيحيين الذين سيذهبون الى خيارات التقوقع أكثر فأكثر.

 

 

 

مما لا شك فيه أن جانباً غير صحي سيتأسس على هذه القواعد التقاربية بين الجماعة الإسلامية وحزب الله، وهي تعيد إنتاج معادلة "التطرف يخدم التطرف"، إلا أن هذين التطرفين سيكون لهما انعكاسات سلبية على واقع البلد بشكل عام، وعلى كل ما له علاقة بالوحدة الوطنية، خصوصاً أن ذلك سيؤسس الى خواف مسيحي عام يدفع المسيحيين بعيداً عن التمسك والإعتناق بالوحدة الوطنية اللبنانية وهذا سيؤدي الى تشظيات كبيرة.

 

 

 

هنا يقف السنّة والمسيحيون أمام معادلة تاريخية، اذ ارتبط نشوء لبنان الكبير بالتقاطع بينهما، مع القوى الأخرى وبدون تهميش أي طرف، ولكن ما صنع هذا اللبنان كان مجموعة تقاطعات اعتدالية داخلياً وخارجياً، لا يمكن التضحية بها حالياً، ولذلك لا بد من اعادة الإعتبار الى الإلتقاء السنّي المسيحي على أساس دولة المواطنة لا على أساس طوائفي، لمواجهة الحالات الطائفية الآخذة بالإتساع، إنها مسؤولية سنية مسيحية مشتركة في إعادة الإعتبار لمفهوم العمل الوطني والتأسيس على مسارات تاريخية كان أبرز تجلياتها ثورة 14 آذار، وهذا ما يلقي بالمسؤولية على عاتق السنة المعتدلين في وجوب إعادة تأطير أنفسهم ضمن تجمعات سياسية قادرة على تقديم رؤية وطنية حول مستقبل البلد والتمسك به بالشراكة مع كل القوى الأخرى.