تفكيك إمبراطورية حزب الله المالية: هل بدأ العدّ التنازلي لإنهاء دولته الموازية؟

بقلم الكاتب و الباحث السياسي عبد الحميد عجم

تفكيك إمبراطورية حزب الله المالية: هل بدأ العدّ التنازلي لإنهاء دولته الموازية؟

في بلد يُفترض أن تكون الدولة هي الحاكم الفعلي، نشهد ظاهرة خطيرة: دولة ظل داخل الدولة، تتحكم بمفاصل الاقتصاد، التعليم، الصحة، والإعلام عبر واجهات تبدو خيرية لكنها في حقيقتها أدوات لضبط المجتمع وتأمين الولاء السياسي. لم يعد خافيًا أن بعض الجمعيات في لبنان ليست سوى أذرع لحزب الله، تُستخدم لتمرير أجندات مشبوهة، وتُموَّل بطرق غير قانونية تهدد الأمن القومي والاقتصاد الوطني. فهل حان الوقت لتفكيك هذه الإمبراطورية؟ وهل تمتلك الحكومة الجرأة الكافية لفرض القانون؟

شبكة المال والنفوذ: كيف تتحكم الجمعيات بالحياة اللبنانية؟

 القرض الحسن: البنك السري لحزب الله

ما يُسمّى بـ"مؤسسة القرض الحسن" ليس جمعية خيرية كما يدّعي الحزب، بل هو بنك غير رسمي خارج الرقابة المصرفية اللبنانية، يتحكم بأموال بيئته ويدير تمويلات لا تخضع لأي إشراف. إنه نموذج صارخ لانتهاك النظام المالي، وملاذ آمن لغسيل الأموال وتمويل الأنشطة المشبوهة، مستفيدًا من انهيار النظام المصرفي الرسمي في لبنان.

"المؤسسات الخيرية".. تجارة بالمعاناة؟

"مؤسسة الشهيد" و"مؤسسة الجرحى" ليست مجرد مؤسسات إنسانية، بل هي أدوات لتأطير المجتمع في عقيدة الولاء للحزب، وتجهيز جيل جديد مبرمج على فكرة الاستشهاد لخدمة المشروع الإيراني في المنطقة.

"الهيئة الصحية الإسلامية"، التي تدير مستشفيات ومراكز صحية، تقدم خدماتها وفق معايير طائفية، محرومةً منها بقية اللبنانيين، مما يجعلها أداة تحكم وليست مؤسسة صحية عامة.

 التعليم في خدمة الأيديولوجيا

جامعات ومعاهد مثل "المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم" و"جامعة المعارف"، ليست فقط مراكز تعليمية، بل مصانع لإنتاج كوادر عقائدية موالية للحزب، تُدرَّس فيها أفكار أيديولوجية تتعارض مع مفهوم الدولة المدنية.

 الاقتصاد الأسود: عندما تصبح الجمعيات واجهة للتهريب

تعاونيات "السجاد"، التي أُنشئت بزعم مساعدة الناس في الأزمة الاقتصادية، هي في الحقيقة وسيلة أخرى للسيطرة على السوق والاقتصاد الموازي، يتم عبرها توزيع البضائع بأسعار تفضيلية للموالين، فيما بقية الشعب اللبناني غارق في الانهيار الاقتصادي.

أنشطة التهريب، من المحروقات إلى المخدرات، تتم تحت غطاء هذه الجمعيات، ما يحرم الدولة من موارد هائلة، بينما يزداد الحزب ثراءً وقوةً على حساب الشعب.

لأنها تُضعف سلطة الدولة: من غير المقبول أن توجد شبكات اقتصادية ومؤسسات خدمية لا تخضع للقوانين اللبنانية، بينما تعاني الدولة من الإفلاس.

 لأنها تُستخدم لتجنيد اللبنانيين في مشاريع إقليمية: تحويل الخدمات الاجتماعية إلى أدوات تجنيد لحروب خارجية ليس عملاً خيرياً، بل خيانة وطنية.

لأنها تغذي التمييز الطائفي: لا يمكن لدولة حديثة أن تسمح بوجود مؤسسات تخدم فئة واحدة بينما يُحرم الآخرون من حقوقهم الأساسية.

 لأنها تشكل تهديدًا أمنيًا واقتصاديًا: العمل خارج القانون، والتمويل غير الشفاف، والتورط في شبكات التهريب، كلها عوامل تجعل هذه الجمعيات قنابل موقوتة تهدد الاستقرار اللبناني.

على الحكومة أن تتوقف عن لعب دور المتفرج، وأن تبدأ بتنفيذ خطوات واضحة للقضاء على هذه الدولة الموازية:

تجميد أرصدة الجمعيات الممولة بشكل غير قانوني، ووضعها تحت إشراف مالي حكومي.

إصدار قوانين تُلزم الجمعيات بالشفافية المالية، وتجريم أي تمويل خارجي غير معلن.

إغلاق أي مؤسسة تعمل كغطاء سياسي أو أمني، وسحب ترخيص الجمعيات التي تتلقى أوامرها من قوى غير لبنانية.

محاسبة المسؤولين عن هذه الشبكات بموجب القوانين المالية والأمنية.

اليوم، لبنان أمام مفترق طرق: إما أن يتحرك لكشف ومحاسبة هذه الجمعيات المشبوهة، أو أن يستمر كدولة عاجزة تُدار من خلف الستار. لم يعد الشعب اللبناني قادرًا على تحمل مزيد من الفقر والأزمات بينما هناك من يبني إمبراطوريته على حسابه. فهل ستتجرأ الحكومة على المواجهة؟ أم أن هذه الجمعيات ستبقى سيفًا مسلطًا على رقاب اللبنانيين؟ الأيام المقبلة ستكشف إن كان لبنان لا يزال دولة.. أم أنه أصبح مجرد واجهة لكيان آخر يُحكم من الخارج.

الكرة في ملعب الدولة.. فإما الحل وإما الاستسلام!