التقارب السعودي-فرنجية: تحالف جديد يعيد تشكيل المشهد اللبناني؟
بقلم الكاتب و الباحث السياسي عبد الحميد عجم
في خطوة غير مسبوقة، شهدت شوارع طرابلس انتشار لافتات عملاقة تحمل صور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والنائب اللبناني الشاب طوني فرنجية، مترافقة مع شعار: "شباب 2030 بإصراركم نُغير لبنان ونصنع المستقبل." هذه الخطوة التي لم تمر دون أن تلفت الأنظار، أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي وأثارت نقاشات واسعة حول أبعاد هذا التقارب بين رمزين يمثلان رؤية شبابية جديدة قد تغيّر وجه السياسة اللبنانية.
طرابلس، المدينة التي عانت لعقود من التهميش، كانت دائمًا ساحة للصراعات السياسية دون أن تجني ثمارًا تنموية حقيقية. اليوم، تظهر هذه اللوحات كإشارة رمزية إلى أن المدينة قد تكون محط اهتمام إقليمي ودولي، خاصة من قبل المملكة العربية السعودية، التي طالما دعمت استقرار لبنان. لكن السؤال المطروح: لماذا طوني فرنجية تحديدًا؟
النائب الشاب الذي يمثل الجيل الجديد من السياسيين اللبنانيين، يبدو أنه يسعى للتموضع في مكانة استراتيجية تجمع بين الإرث السياسي لعائلته والطموح الشبابي نحو التغيير. في المقابل، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يمضي في مشروعه الضخم، رؤية السعودية 2030، التي لا تهدف فقط إلى إعادة تشكيل المملكة، بل إلى تعزيز دورها في المنطقة ككل.
انتشار صور الأمير محمد بن سلمان وطوني فرنجية معًا ليس مجرد صدفة أو مبادرة عشوائية. الرسائل واضحة: هناك محاولة لتوجيه الأنظار نحو تقارب سعودي مع قوى لبنانية شابة قد تكون قادرة على كسر الجمود السياسي في البلاد. إذا صحّت هذه المؤشرات، فقد نكون أمام تحالف جديد يغير قواعد اللعبة السياسية في لبنان، خاصة في ظل التنافس الإقليمي والدولي على الساحة اللبنانية.
شعار "شباب 2030" يحمل بُعدًا أعمق مما يبدو. إنه رسالة واضحة لشريحة الشباب اللبناني التي تعاني من الإحباط والهجرة بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية. السعودية، بقيادة محمد بن سلمان، تراهن على الشباب كمحرك للتغيير، والنائب طوني فرنجية يبدو مستعدًا ليكون شريكًا في هذا التوجه، مقدّمًا نفسه كوجه شاب قادر على مخاطبة تطلعات الجيل الجديد.
ردود الفعل في طرابلس كانت مختلطة بين من يرى في هذه الخطوة بادرة أمل وبين من يتساءل عن النوايا الحقيقية خلفها. لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن المدينة، التي عانت طويلاً من الحرمان، باتت في قلب الحدث السياسي. هل تكون هذه الخطوة بداية لمرحلة جديدة من التعاون بين السعودية ولبنان؟ أم أنها مجرد حملة إعلامية تهدف لإثارة الجدل؟
التقارب السعودي- فرنجية، كما يعكسه انتشار هذه اللوحات، يحمل أبعادًا سياسية قد تتجاوز حدود لبنان. فالمملكة التي لطالما دعمت استقرار لبنان، قد ترى في طوني فرنجية نموذجًا للشخصية القادرة على لعب دور في إعادة تشكيل المشهد السياسي بعيدًا عن الاستقطاب الطائفي والسياسي الذي أنهك البلاد.
أبناء الشمال، وأهل طرابلس خصوصًا، يتطلعون إلى خطوات عملية تُترجم هذه الرسائل على أرض الواقع. فالتقارب السعودي- فرنجية يمكن أن يتحول إلى مشروع حقيقي يعيد الأمل للبنانيين، إذا ما اقترن بخطط تنموية واضحة واستراتيجيات لحل الأزمات الاقتصادية والسياسية.
اللوحات التي غزت شوارع طرابلس لم تكن مجرد صور عابرة، بل هي رسالة صاخبة تهدف إلى إيصال فكرة أن الشباب، بالتعاون مع قوى إقليمية داعمة، يمكن أن يصنعوا مستقبلًا أفضل للبنان. وبين الترحيب والتساؤل، تبقى الأنظار شاخصة نحو ما سيحمله هذا التقارب من تطورات على الساحة اللبنانية.
السؤال الذي يشغل الجميع الآن: هل تكون هذه الخطوة بداية لتحولات جذرية في لبنان، أم مجرد مشهد عابر في لعبة السياسة؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.