عصابة تيك توك تغري الإعلام اللبناني: أبعد من الجريمة
عصابة تيك توك تغري الإعلام اللبناني: أبعد من الجريمة
ينشغل لبنان منذ أسبوعَين بقضية عصابة تيك توك المتورطة بجرائم اغتصاب أطفال وابتزازهم وإرغامهم على تعاطي المخدرات، وغيرها من التفاصيل المأساوية التي تتكشف تباعاً مع تواصل التحقيقات الأمنية والكشف عن أسماء جديدة من عناصر العصابة. وحتى لحظة كتابة هذه السطور، لم تكن أي جهة قضائية أو أمنية قد أصدرت بياناً واضحاً حول عصابة تيك توك هذه، أو حول القضية، بل إن كل ما نشر هو إما تسريبات نشرها صحافيون ومراسلون مقربون من الأجهزة الأمنية، أو تحليلات وأخبار، بعضها صحيح وبعضها كاذب، ما حوّل قضية بهذه الخطورة والحساسية على حياة الضحايا وذويهم، والرأي العام بشكل عام، إلى ملعب للاستعراض، المبتذل في أغلب الأحيان.
عصابة تيك توك وفخ الإغراء الإعلامي
هكذا شاهدنا التلفزيونات اللبنانية وهي تدخل سلّم المزايدات في تغطيتها للقضية، وتحول بعض الإعلاميين إلى مفتشين بوليسيين سعياً وراء "الحقيقة"، فوقع بعضهم في فخ نشر الأخبار الكاذبة، بينما كانت قمة الابتذال في حلقة برنامج "فوق الـ18" الذي تقدّمه المذيعة اللبنانية رابعة الزيات. وروّجت الزيات لحلقتها، التي عرضت الأسبوع الماضي، على أساس واحد، أنها ستستضيف حسن سنجر، أحد المخبرين الذين ساهموا في كشف القضية، ليتبيّن أن سنجر شريك في العصابة، ويصدر القضاء اللبناني قراراً بتوقيفه، مباشرةً على الهواء، وهو ما لم يحصل لأن المتّهم غادر لبنان في نهاية شهر مارس/آذار الماضي.
استضافة حسن سنجر من قبل رابعة الزيات فتحت الباب أمام الانتقادات لأداء الإعلام في هذه القضية، من دون أي مراعاة لحساسيتها، خصوصاً أن الضحايا فيها من القاصرين. وهو ما ينطبق على التغطية العامة لهذه القضية، خصوصاً عبر المواقع الإلكترونية التي تبارت في نشر أخبار تحت عناوين جنسية ومثيرة، وكأن القضية فضيحة جنسية لا جريمة لم يعرف لبنان في السنوات الأخيرة ما يشبهها، بفظاعتها وتفاصيلها وتداخل المتورّطين فيها.
الإعلام اللبناني وقضايا العنف الجنسي
لا يمكن فصل محطات التلفزة اللبنانية عن هذه القضية أو الواقع اليومي، بعد سلسلة من البرامج التي بدأت في منتصف التسعينيات وسعت دوماً لتحقيق أعلى نسب مشاهدة، من دون التنبه إلى تحوّلها إلى قاعدة للترويج لظواهر بعضها خطير خصوصاً بالنسبة للقاصرين، في ظل غياب الإرشادات الضرورية أو التنبيه الذي يسبق عرض هذه البرامج.
في بداية القرن الحالي، انتشرت على الشاشات اللبنانية برامج اجتماعية تحوّلت بأغلبها إلى الطابح الفضائحي، لتتحوّل استديوهات التلفزيونات اللبنانية إلى مساحة مصارعة حقيقية، وتمكنت قضايا كانت محرّمة في وقت سابق من إيجاد طريقها إلى الشاشة الصغيرة، لكن من دون أي رصانة في المعالجة. ومع سيطرة مواقع التواصل الاجتماعي على المشهد الإعلامي، زادت القنوات حدة الفضائحية بهدف اللحاق بالترند وتحقيق نسب مشاهدة عالية على المنصات الإلكترونية، وبالتالي تحقيق أرباح مالية أكبر، في ظل تراجع المداخيل الإعلانية للقنوات في الفترة التي تلت الأزمة الاقتصادية عام 2019.