المادة 317 من قانون العقوبات اللبناني: هل يحق للقضاء توقيف نعيم قاسم بتهمة تهديد السلم الأهلي؟

بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

المادة 317 من قانون العقوبات اللبناني: هل يحق للقضاء توقيف نعيم قاسم بتهمة تهديد السلم الأهلي؟

‎في الوقت الذي يتطلّع فيه اللبنانيون إلى الخروج من ركام الأزمات والانهيارات، جاء تهديد الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم، بأن نزع سلاح حزبه قد يجرّ البلاد مجدداً إلى الحرب الأهلية، كمن يضع إصبعه على جرحٍ لم يلتئم منذ عام 1975. تهديد مباشر أو مبطّن، لكنه بكل المقاييس تهديد للسلم الأهلي، وهو بالضبط ما يجرّمه الدستور اللبناني وقانون العقوبات، ولا سيما المادة 317.

‎هذه المادة تنص بوضوح على تجريم "كل عمل أو خطاب أو تحريض يقصد منه إثارة الفتنة بين الطوائف والمذاهب"، وتعتبره جريمة تمسّ كيان الدولة وأمنها الداخلي. والسؤال هنا: هل يجرؤ القضاء اللبناني على تطبيق هذه المادة بحق من يهدد علناً كل اللبنانيين بالحرب؟

‎لطالما حوسب ناشطون وصحافيون وحتى مواطنون عاديون على منشورات فيسبوك أو تغريدات اعتُبرت "مسيئة" إلى مؤسسات الدولة أو الطوائف. في المقابل، يُطلّ قادة أحزاب مسلحة عبر المنابر ليطلقوا تهديدات تمسّ الأمن القومي مباشرة، من دون أن يتحرّك القضاء. هذه الازدواجية لم تعد مقبولة، وهي التي جعلت الدولة اللبنانية في موقع "العاجز والرهينة".

‎رئيس الوزراء نواف سلام وضع النقاش في مكانه الصحيح: لا دولة بوجود أكثر من قرار سلاح. السلاح الحصري في يد الجيش هو شرط وجود الدولة، وليس خياراً سياسياً. أي سلاح آخر، حتى لو سُمّي "مقاومة"، يبقى خارج الدستور. التهديد بالحرب الأهلية إذا مُسّ بهذا السلاح ليس سوى إعلان صريح أن القرار العسكري في لبنان ليس بيد الدولة بل بيد حزب واحد.

‎هنا تأتي المبادرة: إذا كان لبنان جدّياً في حماية أمنه، فلا بد أن يقوم القضاء بدوره ويستدعي من يطلق التهديدات العلنية بالحرب الأهلية. لا أحد فوق القانون. ومثلما يُلاحَق أي مواطن بتهمة الإخلال بالسلم الأهلي، يجب أن يُسأل نعيم قاسم، ليس فقط أمام الرأي العام، بل أمام قاضي التحقيق.

‎قد يرفض "حزب الله"، وقد تعترض قوى سياسية على المسّ بـ"الخطوط الحمراء". لكن الحقيقة أن الخط الأحمر الوحيد هو الدستور اللبناني والسلم الأهلي. ما دونهما ليس مقدساً.
‎رسالة إلى الداخل والخارج؟
‎هذه ليست مسألة لبنانية داخلية فقط. إنها رسالة إلى المجتمع العربي والدولي: لبنان ليس رهينة ميليشيا، بل دولة تحاول أن تنهض من تحت الأنقاض. والتحدي اليوم هو: هل الدولة اللبنانية قادرة على فرض القانون على الجميع؟ أم أنها ستبقى أسيرة السلاح غير الشرعي والتهديد بالحرب؟

‎المادة 317 ليست حبراً على ورق. إنها نص دستوري يجب أن يُفعل. والتاريخ لن يرحم قضاءً يهاب الأقوياء ويُطارد الضعفاء.
‎اليوم، لبنان أمام لحظة فاصلة: إمّا دولة القانون أو "دولة الحرب الأهلية الدائمة".