"الميثاقية ليست رصاصة: سقوط فيتو السلاح أمام الدستور اللبناني"
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

في ظل التصعيد الأخير ضد حكومة نواف سلام، برز خطاب سياسي وإعلامي يزعم أن قرارات الحكومة، ومنها الموافقة على ورقة المبعوث الأميركي، باطلة لأنها لم تحظَ بموافقة وزراء طائفة محددة. يذهب هذا الخطاب إلى حد اتهام الحكومة بـ"الخيانة العظمى"، والتهديد بزج الجيش في مواجهة مع مواطنين لبنانيين إذا مضت في تنفيذ قراراتها.
هذه المذكرة تقدم ردًا قانونيًا ودستوريًا على هذه المزاعم، وتكشف تناقضها مع نص وروح الدستور اللبناني.
أولًا: الميثاقية ليست فيتو طائفي
المقدمة (ي) من الدستور تنص على أنه "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك".
هذا المبدأ يهدف إلى منع الإقصاء السياسي لأي مكوّن وطني، لكنه لا يمنح أي طرف حق تعطيل مؤسسات الدولة.
المادة 65 تحدد آلية اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء: بالتوافق، وإذا تعذر فبالتصويت وفق الأكثرية أو الأكثريتين الموصوفتين في حالات معينة.
الاستنتاج: لا وجود في النص الدستوري لما يسمى "فيتو طائفي"، والمشاركة تتحقق من خلال التمثيل في الحكومة، لا من خلال موافقة جماعية على كل قرار.
ثانيًا: العدالة الطائفية تتحقق في تكوين السلطة لا في تعطيلها
المادة 95 تنص على وجوب تمثيل الطوائف بصورة عادلة في الحكومة كإجراء انتقالي.
لم تذكر المادة أي حق لأي طائفة في إسقاط قرارات الحكومة أو فرض إجماع مطلق.
الاستنتاج: العدالة الطائفية مرتبطة بتشكيل الحكومة، لا بشل عملها، وإلا تحولت الميثاقية إلى أداة للابتزاز السياسي.
ثالثًا: صلاحية استخدام الجيش حصرية بيد الدولة
المادة 49 تحصر قيادة القوات المسلحة برئيس الجمهورية من خلال مجلس الوزراء.
المادة 65 تجعل الحكومة مسؤولة عن تنفيذ السياسة العامة، بما فيها السياسة الدفاعية.
أي سلاح خارج سلطة الدولة، وأي توجيه للجيش وفق أوامر فصيل غير حكومي، هو خرق مباشر للدستور.
الاستنتاج: من يمنع الجيش من مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، ثم يهدد باستخدامه ضد لبنانيين، يتصرف خارج الأطر الدستورية ويضع نفسه فوق الدولة.
رابعًا: الميثاقية الحقيقية تعني حماية الدولة لا ابتزازها
الميثاقية ليست حقًا في التعطيل، بل التزامًا بالشراكة الوطنية ضمن المؤسسات الشرعية.
تعطيل القرارات السيادية أو تهديد السلم الأهلي باسم الميثاقية هو انقلاب على الدستور، لأن العيش المشترك يفترض الاحتكام للقانون، لا للسلاح.
الاستنتاج: الميثاقية تُسقط عن أي طرف حين يستخدمها كذريعة لخرق السيادة أو فرض أجندة خارجية.
خامسًا: البعد الدولي – السيادة كمعيار شرعية
قرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها 1701 و1559، تؤكد وجوب حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
الشرعية الدولية تقيس سيادة الدول بمدى قدرتها على احتكار القوة المسلحة ضمن مؤسساتها الرسمية.
الاستنتاج: استمرار ازدواجية السلاح في لبنان يجعله دولة ناقصة السيادة، ويفتح الباب للتدخل الخارجي بحجة حماية الاستقرار.
الادعاء بأن أي قرار حكومي يحتاج لموافقة جميع المكونات الطائفية ليس له أساس دستوري، بل هو اجتهاد سياسي يهدف إلى تعطيل مؤسسات الدولة لصالح سلاح خارج الشرعية.
الميثاقية الحقيقية تُقاس بمدى التزام الجميع بالدستور، وليس بمدى قدرتهم على فرض إرادتهم عليه.
لبنان اليوم أمام خيار مصيري: إما دولة تحتكم لقانون واحد وسلاح واحد، أو ساحة تُدار بمنطق الفصائل والفيتوات، حيث يسقط الدستور وتنهار السيادة.