هجرة العقول من شركات الذّكاء التّوليدي تثير التّساؤلات وتعزّز المنافسة
تواجه شركة "أوبن إيه آي" Open AI تحدّيات كبيرة في الحفاظ على فريقها المُتخصّص في سلامة الذكاء التوليدي، ما يثير نقاط استفهام حول استراتيجياتها في هذا الإطار.
في تقرير نشرته مجلة "فورتشن"، كشف دانييل كوكوتاجلو، الباحث السابق في مجال الحوكمة، أن شركة "أوبن إيه آي" فقدت حوالي نصف فريقها الذي كان يعمل على سلامة الذكاء التوليدي.
وأوضح كوكوتاجلو أن هذا الفقدان لم يكن نتيجة لقرار منسق، بل جاء نتيجة للهجرة الفردية. وأضاف أن الشركة التي كانت تضم في البداية حوالي 30 شخصاً يعملون على قضايا السلامة المتعلقة بالذكاء العام التوليدي، شهدت تقلص هذا العدد إلى حوالي 16 عضواً فقط بحلول نيسان (أبريل) 2023.
وأشار كوكوتاجلو إلى أن الأشخاص الذين يركزون على التفكير في سلامة الذكاء التوليدي العام والاستعداد له، يتعرّضون للتهميش بشكل متزايد داخل الشركة. هذا الوضع يثير تساؤلات حول مستقبل سلامة الذكاء الاصطناعي في "أوبن إيه آي" ومدى التزام الشركة بمعالجة هذه القضايا الحيوية.
وأخيراً، أعلن جون شولمان، المؤسس المشارك في "أوبن إيه آي"، عن انتقاله إلى شركة "أنثروبيك" Anthropic، المنافسة الرئيسية. جاء هذا الانتقال بعد أشهر قليلة من استقالة إيليا سوتسكيفر، كبير العلماء وأحد المؤسسين الآخرين، من "أوبن إيه آي" في أيار (مايو)، حيث أسس شركته الخاصة للذكاء التوليدي "سايف سوبر إنتليجانس" Safe Superintelligence Inc، في صيف 2024. وأثناء عمله في "أوبن إيه آي"، أولى شولمان اهتمامه العلمي إلى مسألة الحفاظ على التناسق والتكامل في الأهداف، بين البشر والآلات الذكية.
شولمان الذي كان له دور بارز في تطوير "شات جي بي تي" Chat GPT في "أوبن إيه آي"، أكد أنه سينضم إلى "أنثروبيك" لتوجيه جهوده نحو البحث في مجال تنسيق الأهداف مع الآلات الذكية. وتأسست “أنثروبيك” في عام 2021 على يد باحثين سابقين من "أوبن إيه آي" الذين قرروا الرحيل بسبب اختلافات في وجهات النظر حول ممارسات السلامة في الذكاء التوليدي. تزعم "أنثروبيك" بأنّها تهدف إلى ضمان أن أنظمة الذكاء التوليدي تلتزم بالقيم الإنسانية، وتعتبر السلامة أولوية في مهمتها. منذ تأسيسها، أصبحت "أنثروبيك" مطوراً بارزاً للنماذج الأساسية في صناعة الذكاء التوليدي.
هجرة الكوادر وتحديات الذكاء التوليدي
ليست الحالة التي نشهدها الآن هي الأولى من نوعها. فقد شهدنا في السابق موجات هجرة للكوادر البارزة من الشركات الرائدة في مجال الذكاء التوليدي. ومن بين هذه الحالات، يبرز اسم جيفري هينتون الذي اشتُهر بلقب "عراب الذكاء الاصطناعي" في شركة "غوغل". وقد قدم هينتون استقالته من تلك الشركة في أيار (مايو) من عام 2023، وأعلن أن السبب وراء قراره هو رغبته في التحدث بحرية عن المخاطر التي يمكن أن يشكلها الذكاء التوليدي على البشرية.
ويلقي القرار الضوء على قضية كبرى تتمثل في عدم التزام الشركات الكبرى بالوعود التي قدمتها بشأن التعامل مع المخاطر المرتبطة بالذكاء التوليدي. يبدو أن هذه الشركات لم تكن صادقة بما فيه الكفاية في تعهداتها بمعالجة هذه المعضلة.
من جهة أخرى، تُعزّز هذه الهجرة مبدأ المنافسة في السوق، حيث تستغل الشركات الناشئة هذه الفرصة لجذب الكوادر المتميزة الرائدة في مجال الذكاء التوليدي. وتُعبِّر تلك المعطيات عن الحالة الديناميكية للمجال، حيث يتغير التوازن بين الشركات الكبرى والشركات الناشئة باستمرار.