تخطيط دقيق لوصلات عصبية في دماغ فأر يفتح الباب لفهم أعمق لآليات الإدراك البشرية

نجح علماء أعصاب في إنتاج أكبر مخطط للوصلات العصبية وخريطة وظيفية لدماغ الثدييات حتى الآن باستخدام أنسجة من جزء من قشرة دماغ الفأر تختص بوظيفة الإبصار، وهو إنجاز يمكن أن يقدم نظرة ثاقبة حول كيفية عمل الدماغ البشري.
ودرس العلماء بنية الدماغ في عينة نسيجية بحجم حبة رمل تحتوي على أكثر من 200 ألف خلية، منها ما يقارب 84 ألف خلية عصبية وحوالي 524 مليون وصلة بين هذه الخلايا عند ما يسمى بنقاط التشابك العصبية (المشبك العصبي) وهي نقطة الاتصال بين خليتين عصبيتين. وجمعوا في المجمل بيانات تغطي ما يوازي نحو 5.4 كيلومتر من الوصلات العصبية في جزء من الدماغ يعالج المعلومات البصرية الواردة من العينين.
وقال فوريست كولمان عالم الأعصاب من معهد ألين لعلوم الدماغ “تأتي ملايين نقاط التشابك العصبية ومئات الألوف من الخلايا بأشكال وأحجام متنوعة للغاية وبها تعقيد هائل. يقدم النظر إلى تعقيدها، على الأقل لنا، شعورا بالدهشة إزاء التعقيد الهائل لعقولنا”. وكولمان هو أحد العلماء الرئيسيين المعدين للبحث المنشور اليوم الأربعاء في دورية (نيتشر) العلمية.
والقشرة المخية هي الطبقة الخارجية للدماغ والموقع الرئيسي لعمليات الإدراك في حالة الوعي، والحكم على الأمور، والتخطيط للحركات وتنفيذها.
وقال أندرياس تولياس عالم الأعصاب من كلية بايلور للطب “دأب العلماء على دراسة بنية الدماغ وتشريحه، بما في ذلك تركيب أنواع الخلايا المختلفة وكيفية ارتباطها ببعضها البعض، لأكثر من قرن. وفي الوقت نفسه، دأبوا على توصيف وظائف الخلايا العصبية، بما في ذلك المعلومات التي تعالجها على سبيل المثال”. وتولياس من بين المعدين الرئيسيين للدراسة.
وأضاف تولياس “لكن فهم كيفية ظهور الوظائف العصبية على مستوى الدائرة العصبية شكل تحديا لأننا نحتاج لذلك دراسة الوظيفة والتخطيط العصبي في نفس الخلايا معا. تشكل دراستنا أكبر جهد حتى الآن للنظر إلى بنية الدماغ ووظيفته بشكل منهجي في فأر واحد”.
وعلى الرغم من وجود فروق ملحوظة بالطبع بين دماغ الفأر والأدمغة البشرية، فإن المبادئ التنظيمية تظل واحدة بين الأنواع المختلفة من الثدييات.
وأنشأ باحثون في كلية بايلور للطب خريطة للنشاط العصبي في مليمتر مكعب من القشرة البصرية الرئيسية، وذلك بتسجيل استجابات خلايا الدماغ في أثناء ركض فأر الاختبار على جهاز مشي ومشاهدة مجموعة متنوعة من مقاطع الفيديو بما في ذلك من أفلام (ذا ماتريكس). وجرى تعديل الفأر وراثيا لحث هذه الخلايا على إصدار مادة مشعة عندما تنشط الخلايا العصبية.
وجرى تصوير الخلايا العصبية نفسها في معهد ألين. وجُمعت هذه الصور في الأبعاد الثلاثة، واستخدم باحثون من جامعة برينستون الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لإعادة بناء الخلايا العصبية وأنماط ارتباطها.
* ‘اكتشاف آليات أساسية للإدراك‘
يتألف الدماغ من شبكة من الخلايا، تشمل الخلايا العصبية التي تنشط بمحفزات حسية كالبصر أو الصوت أو اللمس، وترتبط ببعضها البعض عبر نقاط التشابك العصبية. تتضمن الوظيفة الإدراكية التفاعل بين تنشيط الخلايا العصبية والوصلات بين خلايا الدماغ.
ويرى الباحثون فوائد عملية لهذا النوع من الأبحاث.
وقال تولياس “أولا، يمكن أن يسلط فهم قواعد الوصلات العصبية في الدماغ الضوء على اضطرابات عصبية ونفسية مختلفة، بما في ذلك التوحد والفصام اللذان قد ينشآن عن اختلالات دقيقة في الوصلات العصبية. ثانيا، تمكننا المعرفة الدقيقة لكيفية تشكيل الوصلات العصبية لوظائف الدماغ من اكتشاف آليات أساسية للإدراك”.
ومن أهم النتائج التي سلط العلماء الضوء عليها في البحث هي رسم خريطة لكيفية تنظيم الوصلات التي تشمل فئة واسعة من الخلايا العصبية في الدماغ، وتسمى الخلايا المثبطة. فعندما تنشط، تقلل نشاط الخلايا التي تتصل بها. وهذا على عكس الخلايا المحفزة التي تزيد من احتمال نشاط الخلايا التي تتصل بها. وتمثل الخلايا المثبطة حوالي 15 بالمئة من الخلايا العصبية القشرية.
وقال كولمان “وجدنا أنماطا أكثر تحديدا من التثبيط مما كان يتوقعه كثيرون، ونحن منهم”.
وأضاف “لا تتصل الخلايا المثبطة عشوائيا بجميع الخلايا المحفزة المحيطة بها، وإنما تختار أنواعا محددة جدا من الخلايا العصبية لتتصل بها. وعلاوة على ذلك، كان معروفا أن هناك أربعة أنواع رئيسية من الخلايا العصبية المثبطة في القشرة الدماغية، لكن أنماط التحديد تقسم هذه الفئات إلى مجموعات أدق بكثير”.