كيف تنظر باريس إلى الأحداث في سوريا وقبضة الشرع؟

أدانت فرنسا بأشدّ العبارات أعمال العنف الطائفية التي يتعرّض لها السكان الدروز جنوب دمشق ودعت جميع الأطراف إلى بذل كل ما في وسعهم لإعادة الهدوء وتعزيز السلم الأهلي بين جميع مكوّنات المجتمع السوري تماشياً مع التعهدات التي التزمتها في البيان المشترك الصادر في باريس في 13 شباط (فبراير) 2025. ودعت فرنسا إسرائيل إلى الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات أحادية من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد التوترات الطائفية في سوريا.
وتتابع فرنسا عن كثب تطور الأوضاع في كلّ من سوريا ولبنان وقد عُيّن الديبلوماسي جان باتيست لوفيفر السفير الفرنسي الحالي في الدوحة وهو من أهم الديبلوماسيين المستشرقين في الخارجية الفرنسية قائماً بالأعمال في سوريا. فالبعثة الديبلوماسية الفرنسية التي ستتسلم مهامها في دمشق قريباً ستكون من بين الأوروبيين القلائل الذين أعادوا بعثة إلى دمشق ولو أن لو فيفر سينتقل كقائم بالأعمال لا سفير، وقد يكون وبعثته لأسباب أمنية متنقلاً بين سوريا وفرنسا.
وترى باريس أنه ينبغي دعم الرئيس أحمد الشرع وإعطاء نظامه فرصة للنجاح لأنه ليس هنالك أيّ بديل منه حالياً إلا عودة الفوضى والحرب الأهلية. فباريس ملتزمة بمساعدته ولو أن الأوساط الفرنسية في الرئاسة والخارجية مدركة أن وضعه صعب وحرج إذ إنه لا يسيطر إلا على ربع البلد، وحتى على بعض الأوساط حوله. فعلى الساحل هناك قاعدة روسية، وفي الشمال وجود تركي، وفي جبل الشيخ وجود عسكري إسرائيلي قد يتحوّل إلى احتلال لأن موقع جبل الشيخ يمثّل نقطة استراتيجية للدولة العبرية التي تنوي مراقبة كلّ شيء.
ويعد جيش الشرع 25 إلى 30 ألف عسكري، بينهم 15 ألفاً يمكنه الاعتماد عليهم. فالتحليل أن الشرع ليس الرئيس القويّ كما يعتقد الغرب، لأن هناك عدداً من الذين لا يتفقون معه من أوساط هيئة التحرير التي تسلّمت الحكم ويختلفون مع توجّهاته البراغماتية الواقعية. فهو يتطلع إلى المصالحة والتقارب مع جميع المكوّنات والطوائف في البلد لتعزيز نفوذه. لكن البعض لا يشاركه هذه السياسة للمصالحة ولديهم رغبة في الانتقام من الذين تعاملوا مع النظام السابق.
وتشجع باريس الدول الغربية والعربية على دفع الشرع في مساره للمصالحة ومنع الحرب الأهلية.
وترى الأوساط أن لكلّ من الغرب والدول العربية مصلحةً في استقرار سوريا. وباريس مدركة اهتمام السعودية بدعم الشرع واستقرار سوريا، وأنها تريد أن تؤدّي دوراً أساسياً في استقرار سوريا. فالمملكة تعمل أيضاً بمثابة وكيلة لنظام الشرع مع الحليف الأميركي لرفع العقوبات عن سوريا وقد تم تخفيف بعض العقوبات الأوروبية والأميركية، ومن المقرر أن تراجع الإدارة الاميركية العقوبات في تموز (يوليو).
وتعتبر باريس الشرع وطنياً. فهو يأخذ في الأعتبار دور تركيا في سوريا المستقبل، وهو مدين لأنقرة التي ساعدته على الصمود ثم على تنظيم هجومه على الأسد، لكنه ليس دمية في أيدي الأتراك.
وتسعى باريس مع شركائها الأوروبيين ومع الولايات المتحدة لرفع العقوبات عن سوريا لأنها كانت عقوبات على نظام الأسد لا على الشعب السوري.
وترى الأوساط الفرنسية أن الشرع لا يعارض نوعاً من سلطة ذاتية للأكراد لكن تحت سقف السلطة وأن تكون تحت نفوذ محافظ من الدولة السورية
وبالنسبة إلى إسرائيل ترى الأوساط أن الشرع مستعدّ للاعتراف بإسرائيل لكن السؤال الحقيقي بالنسبة إليه هو مصير الجولان الذي ينحدر منه.
وترى باريس أنه رغم ضعف وضعه وقبضته على البلد، فإن سقوطه سيؤدّي إلى حرب أهلية مجدداً، وهذا ما لا ترغب فيه الدول الأوروبية خصوصاً فرنسا وألمانيا لأسباب الهجرة.
ويشار إلى أن الناتج المحلي الإجمالي في سوريا عام 2011 كان 60 مليار دولار وهو اليوم ما بين 5 و6 مليارات دولار، أي إنه تقلص خلال عشر سنوات عشر مرات. وترى باريس أن الاقتصاد مدمّر والإنتاج الزراعي انخفض بـ60 في المئة والإنتاج الصناعي 70 في المئة والبنى التحتية والإنتاج الكهربائي انهارت.
وقدرت عائدات الكبتاغون السنوية بملياري دولار أي ثلاث مرات مستوى الصادرات السورية. إن ما مكّن سوريا من الصمود هو تحويلات السوريين في الخارج الذين مثلوا 60 في المئة من الناتج المحلي وأيضاً هناك النظام الاقتصادي غير الشرعي.
ويقدَّر الدين السوري الخارجي بما بين 20 و23 مليار، الجزء الأكبر منه لإيران، أي إن إيران لن تستعيد هذا الدين. وإن حاجات سوريا لإعادة الإعمار هي بمستوى 300 إلى 400 مليار دولار. ويسود الحذر الكبير في الأوساط الفرنسية حول أوضاع سوريا لكنها رغم ذلك مهتمة بمساعدة الشرع على التقدم والنجاح لأنها كالسعودية لا تريد الفوضى والحرب الأهلية مجدداً في سوريا. تجدر الإشارة إلى أن الشرع ينظر إلى سياسة وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لا سياسة تركيا كنموذج له.