من رفيق الحريري إلى محمد شطح… هذا لبنانكم، يولد الآن
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

في بيروت، لا تنتهي الحروب، بل تتخذ أشكالاً جديدة.
مرة تُخاض بالسلاح، ومرة بالحصار، ومرة بالصمت.
لكن الحرب الأخطر على الإطلاق، هي الحرب على فكرة الدولة نفسها.
لبنان، الذي حُمّل أكثر مما يحتمل، يقف اليوم أمام لحظة حاسمة، ليست سياسية فقط، بل وجودية.
لحظة سؤالٍ مؤجل منذ عقود:
من يحكم؟ من يملك السلاح؟ ومن يقرر متى تكون الحرب، ومتى تكون الدولة؟
الجواب لم يعد يحتمل التأجيل.
الحرب الأخيرة أسقطت آخر الأقنعة
في الحرب الأخيرة على حدود الجنوب، لم يكن المشهد لبسًا.
الناس تهجّروا، البيوت سقطت، القرى احترقت، ولم يُسجّل ردع حقيقي.
السلاح الذي قيل إنه يحمي لبنان، لم يحمِ أحدًا.
السلاح الذي ادّعى القدرة على “قلب المعادلات” اكتفى بالمناورة.
لكن ما إن طُرحت على طاولة مجلس الوزراء مسألة "حصرية السلاح بيد الدولة"، حتى نزل الشارع، وخرج التهديد، واستُعرضت القوة، لا في الجنوب... بل في قلب العاصمة.
هنا فقط نطق السلاح.
معادلة "الشعب والجيش والمقاومة" التي فُرضت على اللبنانيين، سقطت من دون حاجة لخطاب.
سقطت بالصمت، بالفراغ، بالعجز، وبالدمار المجاني.
وبات واضحًا أن ما يُسمى سلاح "مقاومة" لم يعد مقاومة، بل منظومة مستقلة داخل الدولة، لها جيشها، وقضاؤها، واقتصادها، وأيديولوجيتها الخاصة.
ومع كل محاولة لإعادة الأمور إلى نصابها، تخرج الأصوات الصفراء، المأجورة للوصاية لا للوطن، لتتّهم الدولة بالخيانة، وتخوّن من يطالب بشيء بديهي: أن يكون السلاح بيد الجيش فقط.
لحظة القرار: إما الدولة أو اللادولة
مجلس الوزراء اللبناني، أمام لحظة لا يُمكن التهرب منها.
المطلوب ليس "تحجيم حزب الله" كما يروّج البعض، بل إعادة بناء الدولة من أساسها.
وذلك يبدأ من أمرٍ واضح:
لا سلاح خارج يد الدولة.
لا قرار أمني خارج قيادة الجيش.
لا سيادة تُشارك فيها ميليشيا.
ولمن يقول إن الوقت ليس مناسبًا، نسأل:
هل هناك أسوأ من الآن؟
هل ننتظر حربًا أخرى، نزوحًا جديدًا، دمارًا إضافيًا، لنقول ما يجب قوله اليوم؟
لبنان دُفع مرات نحو الفوضى، لكنه لم يسقط.
سقط القادة، سقط الشهداء، لكن الفكرة بقيت:
أن لا دولة ممكنة بظلّ سلاحين، وولاءين، وعقيدتين.
من رفيق الحريري إلى محمد شطح، مرورًا بكل شهداء السيادة المجهولين والمعلنين،
لبنان الذي يموت كل مرة… يولد اليوم على أنقاض الخوف.
ولد حين قرر أن يقول لا.
لا للسلاح الذي لا يردع.
لا للولاء الذي لا يُراعي الشعب.
لا للمقاومة التي لا تقاوم… إلا الداخل.
الرسالة إلى العرب والعالم
لبنان لا يطلب تدخلًا.
بل غطاءً شرعيًا لمطلبه الطبيعي: أن تُرفع الوصاية المسلحة عن قراره.
أن يعود دولة كبقية الدول.
أن يُسمح له ببناء مستقبل، لا أن يبقى رهينة ثكنة.
فمن يُنقذ لبنان، ليس من يُعيد إعمار الأبنية، بل من يُساعده على تحرير قراره،
ومن يدعمه في فرض سيادته،
ومن يقول بصوت عالٍ:
لا دولة، بلا سلاح شرعي واحد.
ما يجري اليوم ليس سجالًا سياسيًا، بل صراع بين مشروعين:
مشروع جمهورية تُبنى على الدستور، القانون، والجيش.
ومشروع دويلة تُبنى على الولاء، السلاح، والتخوين.
اللبنانيون تعبوا.
لكنهم لم يسقطوا.
ولبنان الذي اختنق طويلاً بصمته، يتنفس اليوم بجرأة القرار.
اليوم، لا يولد بيان... بل وطن.