عيسى الخوري: لا يمكننا أن نبقى تجاراً فقط... نحن صناعيون أولاً

قال وزير الصناعة جو عيسى الخوري في كلمة القاها في مؤتمر "تمكين لبنان - القوى العاملة المهاجرة والنهضة الاقتصادية"، في جامعة بيروت العربية في طرابلس، بعنوان: "التنمية الصناعية لخلق فرص العمل والتحول الاقتصادي": "يسرني أن أتحدث إليكم اليوم في مؤتمر يلامس واحدة من أكثر القضايا إلحاحا وفرصا في آن معا بالنسبة للبنان. كيف نجد فرص عمل جديدة، نعيد هيكلة اقتصادنا ونشرك شرائح القوى العاملة - لبنانيين وأجانب - في مسار التعافي الوطني".
اضاف: "في وقت تتقاطع فيه الأزمات الاقتصادية والمالية، مع تحديات أمنية وسياسية عميقة، نجد أنفسنا أمام فرصة تدعونا لإعادة التفكير والهيكلة ولإعادة بناء ما هدمته السياسات العشوائية والممارسات الخاطئة عبر العقود. علينا أن نتعلم من الماضي ونرسخ أسسا سليمة لنموذج اقتصادي لبناني جديد يكون أكثر إنتاجية وأكثر استدامة وأكثر وعدا بمستقبل يليق بأولادنا".
ورأى ان "لبنان كما نعرفه، استمد دائما قوته من أبنائه المقيمين والمغتربين. فالاغتراب اللبناني لم يقتصر على تحويل الأموال، بل نقل معه المعرفة والخبرة والعلاقات وحتى الأمل. وفي المقابل، لعبت اليد العاملة الأجنبية - من العمال العرب والآسيويين، إلى العاملات في المنازل - دورا أساسيا في قطاعات حيوية، كالبناء والزراعة والخدمات. لكن، للأسف، فشلت السياسات العامة في الاستفادة المنظمة والمتكاملة من هذه الطاقات. بل تحول بعضها إلى منافسة غير عادلة، أقصت عمالا لبنانيين وأرباب عمل من أسواقهم الطبيعية".
وتابع: "بصفتي وزيرا للصناعة، أؤمن أن الصناعة هي ركيزة أساسية في خلق فرص العمل المستدامة. فهي ليست قطاعا منفصلا، بل محركا أفقيا يحفز الزراعة والنقل والخدمات والتعليم والابتكار. وهي في أوقات الأزمات، أحد أهم مصادر التوظيف وتأمين العملة الصعبة. ومع ذلك، لا يمكن للصناعة أن تنهض وسط تشرذم السياسات العامة. فنحن بحاجة ماسة، إلى تنسيق كامل بين الوزارات والإدارات وشراكة فعلية بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني لرسم خارطة طريق عملية واضحة وواقعية. نحن لا نواجه أزمة عابرة، بل أزمة بنيوية غير مسبوقة تتطلب مقاربة متعددة المستوياـ".
واوضح أن "لا استقرار اجتماعي من دون فرص عمل ولا فرص عمل من دون استثمار، ولا استثمار من دون ثبات امني، كما ان لا اقتصاد عصري من دون سياسات صناعية وعمالية وتعليمية حديثة وشاملة"، وقال: "لقد أثبت النموذج الاقتصادي اللبناني القائم على الإفراط في الاستيراد، والاعتماد على تحويلات الاغتراب، فشله. وحان الوقت للانتقال نحو اقتصاد إنتاجي متين، تكون الصناعة في قلبه. ولتحقيق ذلك، نحن بحاجة إلى استراتيجية وطنية واضحة، تحدد المزايا التنافسية والتفاضلية للبنان - سواء في الصناعات الغذائية أو المستلزمات الطبية أو الأزياء والمجوهرات أو التجميل، أو التكنولوجيا أو صناعة الإعلان أو الصناعات الثقافية. لكن لا مجال للتشتت، علينا أن نركز ونختار كي نستثمر في قطاعات فرعية تكون محفزة وجاذبة للاستثمار الخارجي النوعي".
واشار الى ان "الصناعة ليست مجرد قطاعا منعزلا، بل هي شبكة تخلق وظائف في النقل واللوجستيات والبحث والتطوير والتعليم المهني وتنعكس على قطاعات إنمائية أخرى. لكن القطاع الصناعي كما نطمح له يجب أن يتطور. فرؤيتنا تقوم على نمو صناعي نوعي يركز على القطاعات عالية الإنتاجية، مع تبني التقنيات الحديثة كالمكننة والذكاء الاصطناعي والانخراط ضمن المنظومة الإقليمية والدولية".
واعتبر أنه "لتحقيق هذا التحول، نحن بحاجة إلى بيئة تحفيزية شاملة تقوم على: أطر تنظيمية وتشريعية حديثة كتبسيط الإجراءات ومكننة المعاملات وتعديل القوانين، بنى تحتية صناعية من خلال إنشاء وتطوير مناطق صناعية متخصصة، خفض كلفة الإنتاج خصوصا في ما يتعلق بالطاقة وتحفيز الاستثمار في الطاقات المتجددة، إتاحة التمويل عبر أدوات مرنة وصناديق استثمارية مخصصة، دعم التصدير من خلال تسويق مركز وتحفيز الاغتراب ليكون شريكا في الإنتاج والترويج".
ورأى أنه "من متطلبات هذه المرحلة، تنمية رأس المال البشري من خلال إعادة هيكلة التعليم المهني والتقني بما يلائم حاجات الصناعة، وإطلاق شراكات بين القطاعين العام والخاص والجامعات والمدارس المهنية وتنظيم المهارات غير الرسمية وتشريعها، خصوصا لدى العمالة الأجنبية"، وقال: "هنا نصل الى موضوع أساسي لهذا المؤتمر، وهو كيفية تحويل العمالة الاجنبية إلى محفز اقتصادي او بتعبير آخر، كيف يمكننا تحويل العمالة الأجنبية الى رأسمال إنتاجي بدل ان تكون عبئا على الاقتصاد".
وشدد على انه "لا يمكن لأي وزارة بمفردها أن تقوم بهذه المهمة. فنحن بحاجة إلى حوكمة وطنية منسقة ومتكاملة تشمل: وزارة الصناعة (السياسات الإنتاجية)، وزارة العمل (تنظيم سوق العمل والإطار القانوني للعمالة الوافدة)، وزارة الاقتصاد (التجارة وتطوير الأعمال)، وزارة التربية (الإصلاح المهني والتقني) ووزارة الداخلية (الامن العام)، إلى جانب القطاع الخاص والمجتمع المدني والجامعات والمدارس المهنية".
وأكد أن "وزارة الصناعة تقود حاليا مجموعة من المبادرات الجدية كالمسح الصناعي الوطني الذي يهدف إلى تجميع المعامل غير المرخصة ضمن مناطق صناعية منظمة، وتبسيط المعاملات الإدارية من خلال مكننة الوزارة، تسهيل الصادرات خاصة للصناعات الناشئة، تأمين تمويل ميسر وتخفيض كلفة الإنتاج، والعمل على منع إغراق الأسواق بالبضائع المهربة وغير المستوفية الشروط والسلامة العامة".
وختم مشددا على أن "الصناعة ليست مجرد منشآت، بل رؤية متكاملة لبناء اقتصاد منتج وايجاد فرص عمل لائقة وتحقيق تنمية متوازنة بين المناطق وتعزيز قدرة لبنان على استعادة دوره الإقليمي. هذا ما يجعل من القطاع الصناعي القطاع السيادي بامتياز. وتذكروا جيدا. نحن صناعيون قبل ان نكون تجار. لا يمكننا اهمال قطاع على حساب الآخر. وكي ينمو لبنان ويستقر، وكي ينمو شمال لبنان ويستقر، يجب ان تزدهر طرابلس".