جلسة نيابية مكتملة النصاب ... برّي يقفل المحضر ويفتح الاشتباك

جلسة نيابية مكتملة النصاب ... برّي يقفل المحضر ويفتح الاشتباك

أقفل مجلس النواب محضر الجلسة التشريعية، فأصبحت مشاريع القوانين التي أُقرت في الجلسة السابقة نافذة، في خطوة حملت أكثر من دلالة سياسية، وتجاوزت في معناها البعد التشريعي البحت. فالإقرار لم يكن مجرد استكمال لملفات مؤجلة، بل جاء في سياق اشتباك سياسي محسوب، أريد له التأكيد أن ميزان القوى داخل المجلس لا يزال مضبوط الإيقاع، وأن مفاتيح اللعبة لم تخرج من يد رئيسه نبيه بري.

نجح بري في تأمين النصاب عبر استنهاض مصالح كتل معارضة، ولا سيما نواب الشمال الذين وجدوا في تمرير مشروع مطار القليعات حاجة انتخابية ملحّة على أبواب استحقاق نيابي مقبل. وهنا، بدا واضحا كيف استخدم إبقاء محضر الجلسة السابقة مفتوحا كورقة ضغط سياسية لتوظيفها في التوقيت المناسب. فالسرعة التي دعيت بها الجلسة وانعقادها، عكستا أن الهدف السياسي كان في الصدارة، بغض النظر عن الخطاب المرافق حول "ضرورة التشريع" وتسيير شؤون الناس.

عمليا، لم تخرج جلسة الخميس بقرارات استثنائية او ملحة، باستثناء إقرار بند اتفاقية القرض مع البنك الدولي بقيمة 250 مليون دولار لترميم البنى التحتية المتضررة، وهو بند كان سيمر في أي جلسة تشريعية عادية نظرا إلى موافقة أكثرية الكتل عليه. غير أن الرسالة الأوضح كانت بين السطور: ردّ بري الصاع صاعين لمعارضيه، مؤكدا أنه لا يزال يمسك بخيوط اللعبة البرلمانية.

في المقابل، برز الغياب شبه الكامل لملف اقتراع المغتربين، الذي لم يستحضر سوى من قبل النائبة بولا يعقوبيان، في مشهد عكس تسليما ضمنيا بعدم فتح هذا الملف، رغم المقاطعة ورفع الصوت من قبل "القوات اللبنانية" والكتائب وبعض المستقلين ونواب التغيير. وكأن الصمت كان أبلغ من الاعتراض، أو أن الحسابات الانتخابية فرضت تأجيل الاشتباك إلى وقت آخر.

تشريعيا، أقر المجلس اتفاقية قرض مع البنك الدولي بقيمة 250 مليون دولار لإعادة ترميم البنى التحتية في الجنوب، كما وافق على مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 9137 القاضي بإلغاء القانون رقم 114/2004 المتعلق باتفاقية تجنب الازدواج الضريبي مع جمهورية السودان. كذلك أُقر قانون تنظيم القضاء العدلي بعد الأخذ بملاحظات رئيس الجمهورية، وهي ملاحظات أكد النائب علي حسن خليل أنها حظيت بإجماع داخل لجنة الإدارة والعدل. وبالتوازي، أقرّ المجلس ثلاثة مشاريع قوانين لتعزيز إمدادات المياه في بيروت، وتنفيذ مشروع الإدارة المالية، كما اقر مشروع القانون المتعلق بمصادر تمويل الادارة المتكاملة للنفايات الصلبة معدلا، والذي يمكن البلديات من جمع ونقل النفايات.

داخل القاعة، تداخل التشريع بالسياسة. طالب النائب بلال عبد الله بإعادة النظر في أوضاع موظفي القطاع العام والرواتب، فيما خاضت النائبة بولا يعقوبيان سجالا حادا مع رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل حول المحاسبة المالية، معتبرة أن ما يحصل "خطير جدا". وأعادت يعقوبيان التذكير بحق المغتربين بمعرفة القانون الذي سيقترعون على أساسه.

قبيل إقرار قرض البنك الدولي، أعلن باسيل اعتراضه على البند، معتبرا أن إعادة الإعمار تحتاج إلى خطة واضحة من الحكومة. وردّ وزير المال ياسين جابر موضحًا أن ستة آلاف مليار ليرة حُوّلت إلى مجلس الجنوب، وألفي مليار ليرة إلى الهيئة العليا للإغاثة، مؤكدًا أن نقل الأموال يتم بطريقة مدروسة، وليس بشكل عشوائي.

وفي سياق متصل، أشار النائب حسن فضل الله إلى أن الجلسة عقدت على وقع الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، معتبرا أن المشاركة جاءت من موقع المسؤولية تجاه مشاريع القوانين المطروحة .

من جهته، أوضح نائب رئيس المجلس الياس بو صعب أن القوانين التي أُقرت أصبحت نافذة بعد إقفال المحضر، لافتًا إلى أن أي خطوة لإعادة فتح باب تسجيل المغتربين للاقتراع على أساس 128 نائبًا ستفرض تمديدا تقنيا لمجلس النواب. وأكد أن رئيس الجمهورية حريص على عدم تعطيل المؤسسات الدستورية، معتبرا أن غياب كتلة بحجم "الجمهورية القوية" يشكل "دليل نقص".

في المقابل، أكد النائب جورج عدوان أن "القوات اللبنانية" لا تقاطع التشريع ولا المجلس، بل تعترض على الممارسة الخاطئة داخله، مشددًا على أن البلاد دخلت مرحلة جديدة تتطلب تصحيح مسار عمره ثلاثون عامًا، وأن الهدف هو عدم تعطيل عمل الحكومة والحرص على العهد. في حين رأى علي حسن خليل بعد الجلسة أن ما جرى ليس تحديا لأحد، بل ممارسة طبيعية لانتظام التشريع، معتبرا أن مقاطعة بعض الكتل حصلت من دون مبرر، ومؤكدا أن القضايا الانتخابية يجب أن تُعالج وفق الأصول من دون خلق ذرائع للتأجيل أو الإلغاء.

انتهت الجلسة بإقفال المحضر، لكن السجال بقي مفتوحا. تشريعٌ مرّ بسلاسة شكلية، لكنه كشف مجددا عمق الانقسام السياسي، وأعاد تثبيت معادلة قديمة–جديدة: في لحظة الحاجة، السياسة تتقدم على النص، والرسائل تسبق القوانين.