بعد قرار تجنيد الحريديم: نتنياهو يفقد السيطرة.. والحكومة قاب قوسين من السقوط

بعد قرار تجنيد الحريديم: نتنياهو يفقد السيطرة.. والحكومة قاب قوسين من السقوط

هذا كان الأسبوع الذي تبادل فيه وزير الدفاع ورئيس الحكومة اللدغات؛ الأول من خارج البيت الأبيض، والثاني في مكتبه في القدس، وذلك في الوقت الذي يخوضا فيه أصعب الحروب وأطولها. بطبيعة الحال، ثار السؤال المتآكل: هل أصبنا بالجنون؟

هذا كان الأسبوع الذي شاركت فيه زوجة رئيس الحكومة عائلات المخطوفين، في المحادثات حول جهنم التي على وجه الأرض منذ 266 يوماً، هذيانها على “انقلاب عسكري” الذي يتآمر لتنفيذه قادة ضد زوجها (الادعاء الذي يردده بشكل منهجي ابنها المعطوب الذي يتنزه بين ميامي وغواتيمالا). يجب الإدراك أن هذا ليس جنون عظمة خاصاً بالسيدة، بل هو الخطاب الذي يجري بين جدران قيسارية، في شارع غزة وفي حصن الملياردير السخي في القدس. رأسهم المثلث يضج بنظرية تآمر هستيرية، لكنها مقطوعة عن الواقع.

كان هذا هو الأسبوع الذي دعت فيه مجموعة حاخامات مسنين، وشكناز وسفارديم، وليس رؤساء الجناح المقدسي بل زعماء الأحزاب في الائتلاف، إلى مواصلة تهرب الحاخامات الشباب، المعافين، من الخدمة العسكرية ومواصلة تنفيذ وصية التطفل والابتزاز الاقتصادي – رئيس الحكومة يقف معهم وضد المحكمة العليا. “القيادة الروحية”، هو مسمى يطلق على طلاب المدارس الدينية الذين لن يتجندوا، وربما الذين تسربوا منها. لماذا؟ هكذا يريد الله. وبقي التساؤل بيأس: إلى أين تتجه هذه الدولة؟ ماذا سيبقى منها إذا بقيت هذه العصابة في الحكم؟

بدأ الحاخامات هذا الأسبوع بحملة في الجالية المقدسة في نيويورك، ومن هناك أمام آلاف مؤمنيهم تطاولوا على المحكمة العليا وعلى “السلطات” الإجرامية في إسرائيل، التي وقفت ضد مبدأ تعلم التوراة. رئيس الحكومة ومن يؤمنون به، لم ينبسوا بكلمة، لكن إيهود باراك وتمير بردو ودافيد غروسمان وتاليا ساسون وغيرهم، الذين كتبوا في المقال الذي نشرته “نيويورك تايمز” بأن نتنياهو لن يتحدث باسمهم في الكونغرس، وطلبوا من النواب الأمريكيين إلغاء دعوته، تم التشهير بهم كخونة في وسائل الإعلام البيبية. بالمناسبة، معظم الجمهور يتماهى مع الأقوال الشديدة التي كتبت في المقال. نرى ذلك في كل استطلاع. قرار الحكم “الغريب” حسب قول نتنياهو للقضاة التسعة في المحكمة العليا، المحافظين والليبراليين، قرر بالإجماع بوجوب تنفيذ القانون. وفي ظل عدم وجود قانون تجنيد، يجب القيام بالتجنيد. وأن الحكومة التي عملت على إبعاد المستشارة القانونية للحكومة عن الانشغال بهذه الأمور، تصرفت بشكل مخالف للقانون.

المحكمة العليا، بالمناسبة، كانت هذا الأسبوع الهدف الثانوي لماكينة السم. فبعد قرار الحكم، وصلت الحملات في القنوات البيبية ضد غالي بهراف ميارا إلى الذروة، لكنها ستقوم باستقامتها الجافة بدورها الذي يقتضيه القانون، الدور الذي أكده القضاة التسعة أيضاً. بهراف ميارا والمحكمة العليا هم الحاجز الذي يقف أمام التفكك والانحلال الكاملين مثلما كان أثناء الانقلاب النظامي، الذي لم يتوقف في الحقيقة.

ليس من الغريب أن يعتقد نتنياهو، الذي يتصرف مثل رئيس منظمة إجرامية ويترأس حكومة إجرامية، بأن هذه أقوال غريبة. بدا رده غبياً، ولكن هدفه كان تقويض سلطة القانون وسيادة القضاء (الدولة العميقة، حسب تعبيره)، الهدف منه إعطاء إشارة للحريديم بأنه إلى جانبهم، وأن الأمور ستكون على ما يرام. ولكنه في الحقيقة فقد السيطرة على الأمور، الأمر الذي يصيبه بالجنون. احتمالية سقوط أن حكومته أو تصبح حكومة أقلية قبل خروج الكنيست للإجازة في 28 تموز إذا انسحب الحريديم من الائتلاف، ليست احتمالية خيالية.

في الأيام القريبة القادمة ستصدر أوامر تجنيد لآلاف الحريديم الذين يجب تجندهم. في موازاة ذلك، سيفسر المستشار القانوني للحكومة حجم وعمق الميزانيات والتسهيلات التي سيتم الحصول عليها من مؤسسات وعائلات المتهربين. ستكون هذه تطورات تغير الواقع. الآلاف سيصبحون خارجين عن القانون بين عشية وضحاها، وعشرات آلاف العائلات ستقف أمام بئر عميقة في المداخيل. هل الحاخامات الكبار، القوزاق المسروقون، سيستوعبون ذلك؟ تضاف إلى ذلك أقوال رئيس لجنة الخارجية والأمن، يولي أدلشتاين، بأنه لن يجيز قانون التجنيد بدون موافقة واسعة في الكنيست. هذا الموقف الذي المنطقي بالإجمال ويعكس واقع الكنيست والائتلاف (في أوساط الـ 64 لا توجد أغلبية لقانون يخلد التهرب)، يعتبره نتنياهو مؤامرة من أجل إسقاطه بالتنسيق مع وزير الدفاع. في الوقت الذي استدعي فيه أدلشتاين بشكل مستعجل لمحادثة توبيخ، بدأت الحملة ضده. أحد مهرجي البلاط الذي يعمل رئيساً لأبواق نتنياهو، لخصه بتغريدة صغيرة: “انتهى عهد يولي أدلشتاين”.

هذا هو الوضع: سارة نتنياهو تشك في أن رئيس الأركان هرتسي هليفي والجنرالات يتآمرون للانقضاض على قيسارية بالدبابات (ويقومون بتخريب الترميم الذي كلف مئات آلاف الشواكل بتمويل الدولة)؛ وبيبي يشك في أن غالنت وأدلشتاين يتآمران على إسقاطه بطريقة مختلفة. يقف بين هذا وذاك المخطوفون المساكين والمقاتلون في غزة ورجال الاحتياط الذين ينهون 150 – 180 يوماً في الخدمة في الاحتياط منذ 7 أكتوبر، وعائلات المخطوفين والقتلى في الحرب الذين يتجاهل رئيس الحكومة أغلبيتهم الساحقة بشكل استعراضي. هذا الأسبوع أجرى زيارات عزاء مع طواقم توثيقه في بيت عائلة سمداجا وعائلة درعي، التي فقدت عومر وسعاديا. في تأبين الابن، الأب الثاكل أورن سمداجا، قال: “لن نتنازل عن أقل من النصر المطلق على قتلة حماس”. ليلي درعي، والدة سعاديا، ناشطة يمينية معروفة. هذا لا يواسيهم في مصيبتهم، بل حصلوا على الشرف والاعتراف الذي لم يحصل عليه 99 في المئة من عائلات قتلى الجيش الإسرائيلي، سواء كان ذلك زيارة أو أفلام فيديو أو نصوص عزاء. هذا جيد، يمكن الفهم، هو ينشغل في “الاستعداد لزيارة في نير عوز”، كما جاء من مكتبه في هذا الأسبوع.

لا توجد لجنة في القدس

الرد على رسالة التحذير للجنة التحقيق الرسمية في قضية الغواصات والسفن، وضحته لكل من عول على آمال عبثية. لن يشكل نتنياهو لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في فشل 7 تشرين الأول. ولا في فشل 8 تشرين الأول بعد ذلك. لن يشكل ولن يتم تشكيل لجنة ما دام موجوداً هناك.

كان يمكن التوصل إلى استنتاج غير مفاجئ في أعقاب تقرير لجنة كارثة “ميرون”؛ البيان الإحصائي البسيط: في الـ 17 سنة لوجوده في هذا المنصب، لم يشكل يوماً ما لجنة تحقيق رسمية، لأنه لن يخرج منها أي شيء جيد له. ولكن الخاتم الأخير وغير القابل للمحو أعطي هذا الأسبوع مع رده القبيح والساخر على لجنتكم (القصد هو الحكومة السابقة) التي عملت، حسب قوله، كأداة سياسية في يد خصومه.

بأقوال التحريض هذه، فإن رئيس اللجنة شوه رئيس المحكمة العليا المتقاعد آشر غرونس والأعضاء الأربعة في اللجنة بالتملق وعدم النزاهة والنفاق. كم هو سهل عليه التشهير بأشخاص نزيهين وطيبين. كم هو طبيعي أن يقوم بعملية تشهير وإلقاء الفرية على كل من لم يرق له. نحن وبحق لا نفاجأ، مع ذلك تفاجأنا قليلاً. لا يوجد قعر لما يفعله. لا يوجد شخص واحد جيد في هذه الدولة سينجو من لسانه السليط والافتراء عليه.

غرونس هو من أكثر القضاة محافظة. قبل أكثر من عقد، قام ائتلاف نتنياهو (بقيادة يمينيين متطرفين: أوري أريئيل ويعقوب كاتس) بتغيير القانون من أجله، كي يمكن تعيينه رئيساً للمحكمة العليا. وقبل بضعة أسابيع، عينته الحكومة لرئاسة لجنة تعيين الشخصيات الكبيرة بعد رفض تعيين قضاة آخرين.

إذا تم رفض تعيين غرونس، فمن سيكون متعهد الإخفاقات لقبوله رئيساً للجنة تحقق في إخفاقاته. استر حيوت؟ أهارون براك؟ دوريت بينيش؟ نتنياهو يتسلى بفكرة تشكيل لجنة تحقيق رسمية بالاعتماد على سابقة لجنة فينوغراد التي حققت في حرب لبنان الثانية، التي شكلها في حينه رئيس الحكومة إيهود أولمرت. ولكن الياهو فينوغراد، الذي كان رئيس المحكمة المركزية في تل أبيب، كان معروفاً في أوساط القضاء كشخص حريص ومستقيم مثل المسطرة ومتشدد. هكذا كان أيضاً التقرير الذي خرج عن اللجنة.

أبو الإخفاقات لم يخطر بباله يوماً بأن يعين قاضياً بهذا المستوى. سيبحث عن شخص من نوع القاضي في المحكمة المركزية المتقاعد موشيه دروري. هو بيبي ذو ماض من قرارات الحكم المشكوك فيها، وهو أحد الأعزاء على الحكومة، والذي يشغل منصب رئيس لجنة التحقيق في قضية التنظيمات، ورئيس لجنة التعيينات في هيئة البث. وثمة مناصب أخرى تعد له.

       توجد لجنة في القدس

المحادثة الودية التي جرت هذا الأسبوع في القناة 14 بين يانون ميغل ورئيس الحكومة، بدأت بسؤال: هل أنت قوي؟ كان ينقص الأخ الرحيم أن يأخذ المنديل ويمسح العرق عن جبين من تجرى معه المقابلة بلطف. النزل المتعاطف وتصفيق الجمهور الذي يرتدي القبعات والرغبة في إرضائه والقاعدة التي تشاهد خفضوا آليات ضبط النفس لدى الضيف. “أنا مستعد لصفقة جزئية تعيد قسم من المخطوفين”، قال بخلاف كامل مع الخطة التي هو نفسه وقع عليها مع مجلس الحرب المرحوم. بعد ذلك، حاول نفي نفسه، ثم في نهاية يوم صاخب وضاج، أكد من فوق منصة الكنيست التزامه باقتراحه. في غضون ذلك، سمح بنشر فيلم اختطاف هيرش غولدبرغ بولين، واورل ليفي، وإيليا كوهين. ورأينا من رئيس الحكومة مستعد للتضحية بهم في غزة.

بن غفير ليس غبياً؛ فهو يعرف الحاجة الملحة لهذه اللجنة. ولكنه بصفته وكيلاً للفوضى، يسعى لأحداث الفوضى. بماذا يهمه إذا تم إصدار أوامر اعتقال لنتنياهو وهليفي وغالانت. العكس هو الصحيح.