تغيير السياسات يتطلب تبديل الوجوه الحاكمة..
بقلم مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات..حسان القطب..
الاستقالات الوزارية كما العسكرية الاسرائيلية التي تم الاعلان عنها، كانت نتيجة حتمية لصمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، والتضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب العربي في فلسطين.. كما كانت نتيجة فشل اسرائيل في الحفاظ على صورة الردع والقوة المفرطة والقدرة على فرض شروطها على الشعب العربي في فلسطين وخارج فلسطين.. وعلى القوى والفصائل الجهادية الفلسطينية التي اثبتت انها قادرة ليس على الصمود فقط، بل على مقارعة العدوان ومواجهة العدو في اطول حربٍ عرفتها المنطقة بين دولة مدعومة عالمياً وفصائل جهادية لا تملك الا القليل من السلاح والعتاد.. لذا من الضروري الوقوف عند الملاحظات التالية:
انه مع بداية الشهر التاسع للحرب المعلنة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والضفة الغربية، والحرب غير المعلنة (حرب المناوشات) على الجبهة اللبنانية، ومع انسداد الافق العسكري، وحتى السياسي..
ومع فشل اسرائيل حتى الان في تسجيل نصر عسكري حاسم، يعطيها القدرة على فرض شروطها السياسية والامنية، او تحقيق الاهداف السياسية والامنية المعلنة التي اطلقها نتنياهو مع بداية الحرب
ومع انهيار كافة الوساطات التي تقدمت باقتراحات لوقف العدوان ونزيف الدم والتدمير الهمجي والمنهجي الذي تقوم به اسرائيل في قطاع غزة، والاستهداف المتواصل للناشطين من ابناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية..
ومع تراجع الدعم سياسة الدعم كما التجاهل الدولي للارتكابات الاسرائيلية نتيجة مشاهد القتل المتعمد والاستهداف المدروس لابناء الشعب الفلسطيني والدعوة لتهجير شعبٍ برمته عن ارضه ودولته..
ومع خسارة الولايات المتحدة الاميركية لدورها كوسيط (نزيه) بعد ان تبنت بالكامل النهج الاسرائيلي للحرب وقدمت كافة الامكانات الممكنة لدعم الآلة العسكرية الاسرائيلية من اسلحة وذخائر اضافة الى الدعم السياسيفي مختلف المحافل الدولية.. ولا يمكن تجاهل ان ضغط الانتخابات الاميركية المقبلة على الرئيس الاميركي (بايدن) يدفعه لاعادة التفكير بتداعيات سياساته..على مستقبل حملته الانتخابية وفرص فوزه بولاية رئاسية ثانية..
كما يجب الاشارة الى ان استمرار المراوحة العسكرية من قبل اسرائيل، دون افق عسكري او سياسي واضح.. ومع غياب خطة واضحة المعالم واهداف واقعية قابلة للتنفيذ والتحقيق..قد ادى الى زيادة حدة الانقسام الداخلي الاسرائيلي..سواء على مستوى الائتلاف الحكومي او على المستوى الشعبي..
كما يجب ان نلاحظ تعاظم سلطة وهيمنة قوى التطرف الاسرائيلي على القرار السياسي والعسكري الاسرائيلي، وهذا التطرف نابع من الفكر الديني والعقائدي الذي على اساسه قامت دولة اسرائيل، وصورة اسرائيل التي رسمها المؤسس بن غوريون، ورسخها حزب العمال الاسرائيلي مع شمعون بيريز، واسحاق رابين،من ان دولة اسرائيل هي دولة علمانية ديموقراطية تعددية، قد تلاشت وانتهت ولا يمكن اعادة تصويبها او تصحيحها او تعديلها الا مع تغيير حقيقي وهذا قد يتطلب سنوات بل عقود في حال استمر هذا الكيان الغاصب..
كذلك يجب ان نتوقف عند التظاهرات الشعبية التي تطالب بالقبول باية صفقة للتبادل مع حركة حماس، وتنادي بوقف اطلاق النار لتحقيق التبادل، ومن ثم اجراء انتخابات تشريعية مبكرة قد تؤدي الى تشكيل حكومة جديدة تقود اسرائيل الى تحقيق تسوية سياسية وامنية ورسم علاقات جديدة مع الشعب الفلسطيني والقبول بحل الدولتين المطروح دولياً وخاصة من قبل الولايات المتحدة الاميركية الراعي الرسمي لدولة اسرائيل وعدوانها واجرامها..
الخاتمة..
لقد طرحت الولايات المتحدة حلاً من ثلاث مراحل، ولكن حكومة نتنياهو لم تتجاوب مع هذه الحل المطروح بشكل ايجابي، مستفيدة من الدعم الاميركي، وغياب المحاسبة الدولية، وتأثير الوزراء المتطرفين ضمن الائتلاف الحكومي الذين هددوا بالانسحاب من الحكومة في حال الموافقة على المبادرة الاميركية.. باعتبار ان المبادرة تتجاهل كافة الاهداف والمطالب الاسرائيلية التي اعلنتها مطلع الحرب، مما يعني ان حكومة نتنياهو قد فشلت فشلاً استراتيجياً، وبالتالي فإن اسرائيل قد خسرت حرب المواجهة كما حرب الاسرى، رغم استعادتها لاربعة من الاسرى في عملية اجرامية واسعة النطاق..
لذلك وبناءً على هذا فإن اسرائيل وحكومة نتنياهو اسيرة مواقفها العاجزة عن تحقيقها.. وتراجعها قد يجعلها موضع محاسبة ومساءلة وتحقيق ومعاقبة داخلية..فالحل الموضوعي يكمن في الاستفادة من حملة الاستقالات الرفيعة المستوى وزارياً وعسكرياً ووبالتالي استقالة الحكومة.. واجراء انتخابات تشريعية تأتي بحكومة جديدة سواء كانت باكثرية حاكمة او ائتلافية.. غير مسؤولة عن اهداف وقرارات الحكومة السابقة وبالتالي تكون حرة وغير مقيدة وتستطيع الوصول الى حل سياسي وامني برعاية اميركية وموافقة دولية.. للخروج من دوامة الحرب والفشل المتراكم..
من هنا يمكن القول ان تغيير السياسات الاستراتيجية يتطلب تبديل الوجوه الحاكمة ...وهذا ما يجب ان ننتظره..