إسرائيل تقصف نواف سلام سياسياً... لا حزب الله عسكرياً!

بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

إسرائيل تقصف نواف سلام سياسياً... لا حزب الله عسكرياً!

في خضمّ القصف الذي هزّ الضاحية الجنوبية، وبين دخان الطائرات المسيّرة وصخب التحليلات العسكرية، تتكشّف حقيقة أكثر خطورة وأعمق تأثيراً: إسرائيل لا تستهدف "حزب الله" فحسب، بل تضرب بوضوحٍ مؤسسة رئاسة الحكومة، وتحديدًا الرئيس نواف سلام، في لحظة سياسية حرجة يحاول فيها إعادة تعريف علاقة الدولة بسلاح الحزب.

فما الذي يحصل فعلياً؟ ولماذا الآن؟ وما الرسالة التي تحملها الصواريخ الإسرائيلية بين سطور الدخان والنار؟

نواف سلام في مرمى نيران السياسة الإسرائيلية

منذ لحظة تسلّمه، سعى نواف سلام إلى هندسة توازن دقيق بين حفظ الاستقرار الداخلي، وضبط سلاح "حزب الله" ضمن سقف الدولة وشرعيتها. كان خطابه واضحًا: لا لنزع السلاح بالقوة، ولكن نعم لاحتكاره ضمن قرار الدولة اللبنانية. وهي معادلة لطالما أزعجت تل أبيب، لأنها تحرمها من ذريعة الضرب المتواصل، وتُجهض سرديتها العالمية التي تُجمّل عدوانها باسم "مكافحة الإرهاب".

لكن ما إن تحرّك نواف سلام بخطوات سياسية باتجاه حوار داخلي - عربي مدعوم، حتى اختارت إسرائيل أن تردّ: لا على الحزب، بل على مشروع الدولة. فاستهداف الضاحية عشية العيد لم يكن فقط استهدافًا لعناصر أو مستودعات، بل ضربة رمزية لرئاسة حكومة تحاول عقلنة العلاقة مع المقاومة.

إسرائيل تشرعن الفوضى… وتمنح الحزب شرعية البقاء بالسلاح!

في مفارقة مرّة، تضرب إسرائيل في توقيت يبدو وكأنه هدية مجانية لـ"حزب الله". فعندما يشعر الشارع اللبناني أن رئيس حكومته المعتدل يتعرّض لضربات بسبب توجهه الإصلاحي-السيادي، لن يجد كثيرون غضاضة في إعادة الاصطفاف خلف الحزب "المستهدف".

العدوان الإسرائيلي هنا لا يُضعف الحزب، بل يُقوّيه. ويضعف في المقابل، رئيس الحكومة الذي يمثّل الأمل الأخير في إخراج السلاح من الشارع إلى حضن الدولة. إنها لحظة سوريالية بامتياز: العدو يمنح الشرعية لمن يريد نزعه!

العرب مطالبون بدعم نواف سلام الآن… لا غداً

وسط هذه المعادلة الخطيرة، يغدو الموقف العربي أكثر أهمية من أي وقت مضى. لا يكفي أن نعلن دعم "استقرار لبنان"، بل يجب دعم من يحاول تثبيت هذا الاستقرار من قلب العاصفة: رئيس الحكومة نواف سلام.

فلنكن واضحين: كل صاروخ يسقط على بيروت، هو أيضًا صاروخ سياسي على مشروع نواف سلام، لا فرق بين المبنى والموقف. إن وقوف الدول العربية إلى جانب رئيس الحكومة اليوم ليس ترفًا دبلوماسيًا، بل ضرورة استراتيجية، لحماية ما تبقّى من مفهوم الدولة في لبنان.

ختاماً… إسرائيل لا تريد سلاح الحزب، بل تريد انهيار لبنان

من يظن أن إسرائيل تضرب الضاحية فقط، يُخدع بالمشهد السطحي. الهدف أعمق، والخطر أكبر: إنها تحاول ضرب التوازن الداخلي، وإفشال أي مبادرة تنزع السلاح بالسياسة لا بالحرب.

وهنا يكمن التحدي: هل ينجح نواف سلام، بدعم عربي وشعبي، في الدفاع عن مشروع الدولة في وجه دولة العدوان؟

وهل ندرك، نحن كلبنانيين وعرب، أن الصاروخ الأخير لم يكن على مخزن... بل على مستقبل وطن؟