سمير جعجع… تحريض باسم "السيادة" وازدواجية بلا غطاء دستوري

بقلم هيئة التحرير _ مراسل نيوز

سمير جعجع… تحريض باسم "السيادة" وازدواجية بلا غطاء دستوري

في لحظة سياسية وأمنية مفصلية يعيشها لبنان، وبينما تتعالى الدعوات الدولية لوقف الانهيار وتفادي الحرب، خرج رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ببيان أقلّ ما يُقال فيه إنه انفصالي عن منطق الدولة ومؤسساتها، ومشحون بمحاولات مكشوفة للتشكيك في شرعية الحكومة والدولة اللبنانية.

البيان الصادر عنه تحت عنوان مواجهة "الاحتلال الإسرائيلي" و"السلاح غير الشرعي"، حمل في طيّاته رسائل أبعد من مجرد رأي سياسي. لقد بدا واضحًا أن جعجع يريد فرض نفسه طرفًا مقرِّرًا في المعادلة الوطنية، دون أن يمتلك أي صفة دستورية تؤهله لذلك.

هل الدولة في مواجهة "حزب الله" أم في مواجهة من يُنازعها الصلاحيات؟

يعترض جعجع على ما يسميه "صمت الحكومة" إزاء المقترحات الأميركية، ويسأل مستنكرًا: "من يفاوض؟ الدولة أم حزب الله؟"

لكن السؤال الأهم الذي غاب عن بيانه هو:
من فوّضك لتكون الناطق باسم لبنان؟
هل جعجع نائب منتخب؟ هل يشغل منصبًا وزاريًا؟ هل هو رئيس حكومة أو رئيس جمهورية؟ لا.
إنه رئيس حزب، لا أكثر. شرعيته تأتي من ناخبيه، لا من الدستور، ولا من المؤسسات التي يهاجمها صراحة.

وإذا كان انتقاده لاحتكار "حزب الله" للقرار السيادي مشروعًا في الظاهر، فإنه في المضمون يُمارس الفعل ذاته: محاولة خطف موقع القرار الوطني من داخل الدولة، دون تفويض، دون مسؤولية، ودون غطاء.


ازدواجية كاملة: تعارض "حزب الله" وتُقلّده

المفارقة التي لا يمكن تجاوزها أن جعجع يُدين منطق "حزب الله" القائم على القرار من خارج المؤسسات، لكنه ينساق في الوقت نفسه إلى الممارسة ذاتها.

يعترض على أن حزب الله يتفاوض دون الرجوع إلى الحكومة.

ثم يُملي على الحكومة كيف يجب أن تردّ، ومتى تجتمع، وبأي لهجة.


بمعنى أوضح: الفرق بين الطرفين أصبح شكليًا أكثر منه جوهريًا.
أحدهما يمسك بالسلاح، والثاني يُصوّب بالكلام، لكن النتيجة واحدة:
تجريد الدولة من مرجعيتها، وتقزيم موقعها السيادي، وتقديم صورة مفككة للداخل اللبناني أمام الخارج.

تحريض أم موقف وطني؟

خطورة ما ورد في بيان جعجع لا تكمن فقط في نبرته الحادة، بل في توقيته ومضمونه. ففي ظل وجود مبعوث أميركي، وتحرّك دولي دقيق في المنطقة، يأتي تصعيد جعجع ليزرع المزيد من الانقسام الداخلي حول المرجعية الوطنية في القرار السيادي.

الأجدر في هذه المرحلة أن تتعالى القوى السياسية فوق الحسابات الحزبية الضيقة، وأن تتوحد خلف الحكومة – أيًّا كان شكلها وتوازناتها – كمرجعية رسمية وحيدة في التفاوض، لا أن تُستنسخ "جبهات" متعارضة تعمّق الفوضى وتؤجّج الانقسام.

المواطن جعجع… وليس المرجعية

الحقيقة التي لا يجب تزيينها:
سمير جعجع اليوم هو مواطن لبناني، لا يحمل أي صفة تنفيذية أو تشريعية أو سيادية.
يحِقّ له التعبير عن رأيه، لكن لا يحق له أن يفرض على الحكومة جدول أعمالها، ولا أن يحدّد باسم اللبنانيين كيف يجب أن يكون الرد على المقترحات الدولية.

الموقع الرسمي في لبنان لا يُمنح بالمنابر الإعلامية ولا بالخطابات، بل بالصناديق والمناصب والآليات الدستورية.
ومن خارج هذا السياق، كل خطاب تحريضي تحت عنوان "السيادة" هو في الواقع عدوان على الدولة نفسها.

> من يزعم الدفاع عن سيادة لبنان، عليه أولًا أن يعترف بمرجعية الدولة.
ومن يرفض تجاوز "حزب الله" للدولة، لا يجوز له أن يتجاوزه هو الآخر.
فلبنان لا يحتاج إلى "وصايتين" متنازعتين، بل إلى دولة واحدة، مرجعية واحدة، وموقف وطني جامع.

السيادة لا تُبنى بالازدواج، بل بالتكامل. ولا تُستعاد بخطابات الغلبة، بل باحترام المؤسسات التي وحدها تحمي مصير الوطن.