إعادة تصنيع داعش: بين التهويل السياسي وتوقيت الانفجار اللبناني
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

في لبنان، لا شيء يعود صدفة. ولا الإرهاب يولد فجأة.
ما نراه اليوم من همس أمني، ورعب مُصطنع حول "عودة داعش"، لا يبدو تهديدًا فعليًا أكثر مما هو محاولة لإعادة خلق عدو مطلوب سياسيًا في توقيت محسوب بدقة.
منذ تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق، والحملات الإعلامية المقابلة في لبنان، بدا المشهد كأن "داعش" يُنفخ فيه من جديد، لا على الأرض، بل في الرؤوس. وسائل إعلام محسوبة على "محور الممانعة" تروّج لروايات غامضة عن دخول عناصر عبر الحدود، ووجود خلايا نائمة في الشمال، وتحوّلات أمنية مقلقة. كل هذا يحدث بالتوازي مع الضغوط الدولية المتصاعدة لنزع سلاح "حزب الله"، وكأن الشبح القديم مطلوب لاستعماله من جديد.
أليس هذا التزامن مشبوهاً؟
هل هي صدفة أن يظهر "البعبع" الجهادي كلما اشتدت المطالبة بتطبيق القرار 1701 أو فُتح النقاش الجدي عن الدولة والسلاح؟
بالوقائع، نعم، هناك خلايا نائمة لتنظيم "داعش". وهناك حالات فردية تم كشفها واعتقالها. لكن الخطر الذي يُراد تصويره اليوم كـ"عودة كبيرة" للتنظيم، لا تدعمه لا المعطيات الأمنية ولا الواقع الاجتماعي اللبناني. لا بيئة حاضنة، ولا فكر جماهيري مستعد لتبنيه. وحتى في أضعف لحظات الدولة، لم يكن للتنظيم موطئ قدم حقيقي داخل المجتمع اللبناني.
فلماذا يُعاد تلميع هذا الوجه الدموي الآن؟
الإجابة سياسية، لا أمنية.
من يرفض النقاش في مسألة سلاح غير شرعي، ومن يخشى لحظة استحقاق دولي، يحتاج إلى فوضى أمنية مصنّعة، أو على الأقل إلى تهديد رمزي يتقن اللعب به إعلاميًا. فكما استُعمل "داعش" في خطاب التعبئة داخل سوريا والعراق، يُستدعى اليوم في لبنان كـ"كرت ضغط" استباقي في معركة الصلاحيات والشرعية.
لكن اللعبة مكشوفة.
اللبنانيون يعرفون اليوم أكثر من أي وقت مضى أن الإرهاب يُخلق حين تُهمّش الدولة، لا حين يُطرح السلاح على طاولة البحث. وهم يدركون أن الأجهزة الأمنية اللبنانية، رغم ضعف الإمكانيات، أثبتت قدرتها على تفكيك عشرات الخلايا دون أن تحتاج إلى فوضى إعلامية أو تعبئة شعبية خوفًا من داعش.
الخطر الحقيقي اليوم ليس داعش، بل محاولة استغلال صورته لشلّ النقاش السياسي، وتأجيل الأسئلة الكبرى.
من المستفيد من تحويل الأنظار عن نقاش "حصرية السلاح"؟
من الذي يريد أن يبقى الجيش في موقع الدفاع بدل أن يكون الضامن؟
نعم، لنُنكر وجود الخطر، ولكن لا نسمح بإعادة تصنيعه تحت الطلب.
داعش خطر إذا وُجد، لكن الأخطر منه هو أن نُهندس خطرًا وهميًا لإبقاء البلد في حالة طوارئ دائمة.
نحتاج إلى مقاومة من نوع آخر اليوم:
مقاومة ضد التهويل، ضد الهندسة الخبيثة للخوف، ضد إعادة تدوير الكوابيس.
ففي لبنان، داعش لا يعود...
بل يُستَخدَم.