سعد الحريري: الرحيل عند الأزمات والعودة عند الفرص.. هل يستحق ثقة اللبنانيين من جديد؟

خاص مراسل نيوز

سعد الحريري: الرحيل عند الأزمات والعودة عند الفرص.. هل يستحق ثقة اللبنانيين من جديد؟

قبل ثلاث سنوات، اتخذ سعد الحريري قرارًا صادمًا بتعليق عمله السياسي وانسحاب تيار المستقبل من المشهد الانتخابي. برر انسحابه حينها بالظروف السياسية المعقدة، متحدثًا عن "النفوذ الإيراني والانقسام الوطني والتخبط الدولي"، لكنه ترك خلفه فراغًا سياسيًا كبيرًا، خاصة داخل الطائفة السنية التي وجدت نفسها بلا قيادة واضحة.

واليوم، فجأة، يقرر العودة والمشاركة في الانتخابات البلدية والنيابية، وكأن شيئًا لم يكن. فهل يعتقد الحريري أن اللبنانيين فقدوا ذاكرتهم السياسية؟ وهل يستحق فرصة ثانية بعد أن تخلى عن مسؤولياته في أصعب لحظات لبنان؟

في عام 2022، وبينما كان لبنان يواجه واحدة من أسوأ أزماته الاقتصادية والسياسية، أعلن الحريري تعليق نشاطه السياسي، متخليًا عن تياره وجمهوره. القرار لم يكن مجرد خطوة سياسية، بل شكل خيبة أمل كبرى لأنصاره، خاصة أن الحريري لم يواجه الضغوط بل اختار الهروب منها.

طوال سنوات، كان الحريري يمثل الأمل بالنسبة لجمهوره، لكنه حين قرر المغادرة، لم يترك حتى قيادة بديلة أو خارطة طريق سياسية واضحة، مما جعل تيار المستقبل يتلاشى تدريجيًا، فيما وجد ناخبوه أنفسهم بلا تمثيل حقيقي.

والسؤال الآن: إذا كانت الأسباب التي دفعته للانسحاب ما زالت قائمة – كالنزاعات السياسية والضغوط الخارجية – فما الذي تغيّر حتى يعود الآن؟ هل هي الصحوة المفاجئة أم أن عودته مجرد محاولة لاستعادة نفوذه الشخصي بعد أن رأى أن الفرصة مواتية؟

منذ انسحابه، تغيّر المشهد السياسي في لبنان، وشهدت الساحة تحولات جديدة، أبرزها تصاعد نفوذ قوى أخرى في غياب تيار المستقبل. واليوم، قد يرى الحريري في الانتخابات فرصة ذهبية للعودة إلى الواجهة، لكنه يواجه تحديًا خطيرًا: كيف سيقنع جمهوره بأنه جدير بالثقة بعد أن خذلهم في الماضي؟

الجماهير لا تنسى بسهولة، ومن يتخلى عن مسؤولياته في الأوقات الصعبة لا يمكن أن يتوقع أن تستقبله الناس بالأحضان حين يقرر العودة.

لبنان يمر بأزمة غير مسبوقة، والشعب يبحث عن وجوه جديدة تستطيع قيادة المرحلة المقبلة. لقد فقد اللبنانيون ثقتهم بالنخب السياسية التقليدية التي أوصلت البلاد إلى هذا الانهيار. والسؤال الذي يطرحه الجميع: هل يمكن لشخص انسحب في وقت الشدة أن يكون هو الحل اليوم؟

إذا كان الحريري يريد العودة، فعليه أن يدرك أن السياسة ليست لعبة مغادرة وعودة حسب الظروف، بل هي التزام مستمر ومسؤولية تجاه الناس.

قد ينجح الحريري في تأمين دعم سياسي من بعض الأطراف، لكن يبقى السؤال الأهم: هل سيثق به الشارع اللبناني مجددًا؟ الثقة لا تُمنح بسهولة، خاصة لمن تخلى عن دوره في لحظة مصيرية.

الشعب اللبناني يحتاج إلى قيادات تمتلك رؤية واضحة وإرادة صلبة، لا إلى شخصيات تظهر حين يكون الظرف مناسبًا لها وتختفي عند أول أزمة.

الحريري اليوم أمام اختبار حقيقي: فإما أن يثبت أنه تغير فعلاً ولديه مشروع وطني حقيقي، وإما أن يكون مجرد رقم آخر في قائمة الزعماء الذين لم يعد الشارع اللبناني مستعدًا لمنحهم فرصة جديدة.

لبنان تغيّر.. فهل تغيّر سعد الحريري؟