“الموت الذي يوجّه الزناد”: قراءة في رمزية التغريدة التي هزّت الرأي العام اللبناني والعربي
خاص مراسل نيوز

في زمنٍ تُختزل فيه المعارك السياسية بتغريدات، نشر السياسي اللبناني وليد جنبلاط صورة جندي يطلق النار من خندق بينما يقف خلفه هيكل عظمي يوجّه يديه نحو الزناد، مرفقًا إياها بعبارة: "The ugly American #MorganOrtagus"، في ردٍّ على تصريحات المتحدثة السابقة باسم الخارجية الأمريكية، التي سَخِرت من مواقفه بشأن سلاح حزب الله. لم يكن فعل جنبلاط مجرد تصفية حساب شخصية، بل كشف عمق التوتر القائم بين النخب اللبنانية ودور الولايات المتحدة في المنطقة، وأعاد فتح النقاش حول معايير السيادة والتدخل والهيمنة، ليس فقط في لبنان، بل على امتداد الجغرافيا السياسية العربية.
الصورة، وهي من أعمال الحرب العالمية الأولى، تُظهر تماهياً مرعباً بين الجندي والموت، كأن الحرب لم تعد خيارًا بل قدَرًا يُفرض من قوى خفية. وفي السياق اللبناني، حيث الأزمات المتراكمة تنوء بثقل الطائفية، والاقتصاد المنهار، والانقسامات الإقليمية، تصبح هذه الصورة مرآة تعكس حال بلدٍ مُرتهنٍ لمعادلات خارجية وداخلية معقّدة. التغريدة ليست صرخة سياسية بقدر ما هي صدمة بصرية تعرّي النفاق الدولي: كيف يُمكن لمن يدّعي حماية "الديمقراطية" أن يسخر من أصوات الاعتراض، وأن يُملي على الشعوب شكل خلاصها؟ وهل أصبح من الطبيعي أن يُمارس الضغط الأمريكي تحت شعارات الشراكة، بينما يُترك لبنان للانهيار ما لم ينصع لخطاب واشنطن الاستراتيجي؟
إن التغريدة أثارت ضجيجًا، لا لأنها "هجومية"، بل لأنها فجّرت قضايا دفينة: من يحق له تحديد طبيعة التوازن في لبنان؟ وهل يمكن لمجتمع ما أن ينهض بينما تُدار معاركه بلغة الوصاية، سواء من طهران، أو من واشنطن؟ إنها لحظة يجب أن تستفز العقل العربي السياسي: متى نخرج من مربع "الاستدعاء" إلى "المبادرة"، ومن انتظار الخارج إلى إعادة بناء الداخل؟ تغريدة جنبلاط، رغم كل ما فيها من إشكالية، سلّطت الضوء على تناقض أوسع: أن تكون دولة مستقلة اسميًا، ولكن مُعلّقة سياسيًا بين حفلة المصالح الدولية.
ما فعله جنبلاط هو استخدام الرمز لا لتصفية خصومة، بل للكشف عن منظومة موت سياسية تطال لبنان وغيره من الدول العربية، حيث الجندي العربي غالبًا ما يُوجَّه إصبعه لا بقراره، بل بيدٍ خفية تمسك الزناد من الخلف، وتسميه "مصلحة وطنية". وهنا يصبح التساؤل الأكثر إلحاحًا: هل آن الأوان لأن نتحدث، كعرب، عن منظومة التحرر من الخطابات المعلبة، سواء تلك القادمة من واشنطن أو من طهران، ونعيد الاعتبار للفكر السيادي النقدي كخط دفاع أخير عن الكرامة الوطنية؟
لقد أثبتت صورة واحدة، ومشهد جندي يحرسه الموت، أن في السياسة العربية ما زال يمكن للصورة أن تقول ما لا تقوله المؤتمرات، وللرمز أن يصيب قلب الحقيقة: لا خلاص بلا مساءلة، ولا سيادة بلا استقلال حقيقي في القرار.