لبنان المخطوف: هل نملك الشجاعة لنقول "كفى"؟

بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

لبنان المخطوف: هل نملك الشجاعة لنقول "كفى"؟

أعلن رئيس الجمهورية اللبنانية جوزيف عون ما يعرفه الجميع ويتفاداه الجميع: لا نية لدى الدولة لنزع سلاح "حزب الله" بالقوة. هكذا، ببساطة، تتنازل دولة عن أبسط مقوماتها، وتعترف رسميًا بأنها ليست صاحبة القرار على أرضها.

 

هذا ليس مجرّد تصريح، بل بيان استسلام. رئيس دولة يقول لشعبه: السيادة مؤجلة، القرار مخطوف، والسلاح خارج السيطرة. فماذا تبقّى من الدولة؟ وهل نحن فعلاً في وطن... أم في هيكل مهترئ تحكمه منظومة سلاح وولاءات؟

 

منذ عام 2005، نتنقّل من "طاولة حوار" إلى "مبادرة وطنية"، والنتيجة واحدة: الدم مستمر، والهيمنة تتكرّس، والخوف بات قاعدة الحكم. من يملك السلاح يملك القرار، ومن لا يملكه، لا يملك حتى حق السؤال.

 

السلاح لم يعد بندقية بوجه الاحتلال، بل منظومة حكم تتحكم بالمعابر، بالحدود، بالاقتصاد، وحتى بالسياسة الخارجية. فكيف نقنع أنفسنا أننا دولة؟ كيف يُفترض بشعب أعزل أن يفاوض طرفًا مسلحًا على شروط بقائه؟

 

لا أحد يطلب الحرب. لكن لا أحد يقبل الخنوع. بين الحرب والخنوع، هناك خيار اسمه الدولة، والدولة لا تقوم إلا على سلاح شرعي واحد، وقضاء مستقل، وجيش لا ينافسه أحد.

 

اليوم، تتاح للبنان فرصة نادرة — تحول إقليمي يضعف الحزب، وانهيار داخلي يخلخل المنظومة — فإمّا أن نُعلن بداية النهاية للهيمنة، أو نُوقّع بأيدينا شهادة وفاة البلد.

 

الرهان على دمج الميليشيا بالجيش هو كمن يرش العطر على جثة. تجارب العراق واليمن أكدت أن دمج الميليشيات لا يضعفها، بل يمنحها شرعية تخترق بها المؤسسات.

 

السؤال الجوهري: هل نريد دولة؟ لأن الجواب، بكل بساطة، لا يمكن أن يتعايش مع وجود حزب مسلّح خارج الشرعية.

 

الشعوب لا تُقهر بالسلاح وحده، بل حين تُقنع نفسها أن القهر هو قدرها. ولبنان، هذا الوطن الذي علّم العرب معنى الكرامة والفكر والحرف، لا يستحق أن يُختزل براية صفراء تُرفرف فوق أطلال دولة.

 

ما نحتاجه ليس بيانًا جديدًا، ولا مبادرة هشة. نحتاج إلى انفجار وطني في الوعي. إلى لحظة شجاعة. إلى شعب يقول: كفى... بدّي دولة. مش ظل دولة.