لبنان بين فوهة السلاح ومقايضات الخارج: هل تحسم الوساطات الأميركية مصير الدولة؟

بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

لبنان بين فوهة السلاح ومقايضات الخارج: هل تحسم الوساطات الأميركية مصير الدولة؟

في تصريح مفاجئ ومحمّل بالدلالات، كشف المبعوث الأميركي الخاص توم باراك عن أن واشنطن تلعب دور الوسيط في محادثات "غير رسمية" بين لبنان وإسرائيل، رغم القطيعة السياسية والقانونية بين البلدين. التصريحات، التي جاءت خلال مقابلة مع صحيفة عرب نيوز، تطرح أكثر من علامة استفهام حول الاتجاهات المقبلة في المشهد اللبناني، ودور الخارج في رسم معالمه.

 

ما قاله باراك مهم، لكن ما لم يقله لا يقل أهمية. فهو لا يطرح مجرد وساطة، بل يلمّح إلى مسار متسارع لتغيير التوازنات في لبنان، تحت عنوان كبير: نزع سلاح حزب الله، ضمن تسوية سياسية إقليمية أوسع.

 

بين نزع السلاح والقرار السيادي

 

يشدد باراك على أن أي عملية لنزع السلاح يجب أن تتم "بموافقة حزب الله"، و"بتفويض من الحكومة اللبنانية". في الظاهر، هذه مقاربة تراعي السيادة. لكن في العمق، تطرح هذه المعادلة تساؤلًا حساسًا:

هل يمكن اتخاذ قرار بهذه الخطورة في ظل اختلال التوازنات الداخلية، وتحت ضغط انهيار اقتصادي وانقسامات سياسية؟

 

من حيث المبدأ، لا يمكن لأي دولة أن تستقر بوجود سلاح خارج مؤسساتها الرسمية. لكن بالمقابل، لا يمكن أيضًا فرض تحولات كبرى بضغط خارجي أو من خلال قنوات خلفية. السيادة لا تُجزّأ: لا يُمكن المطالبة بحصر السلاح بيد الدولة، فيما تُفرض عليها تفاهمات غير معلنة من وراء ظهر المؤسسات.

 

هل يختبر الأميركيون لحظة ضعف لبنان؟

 

تأتي تصريحات باراك في لحظة انهيار شامل: نظام مصرفي مشلول، برلمان عاجز، ومؤسسات أمنية تعاني من التآكل. هذه البيئة تجعل أي اقتراح خارجي يبدو كفرصة إنقاذ، لكنه قد يتحوّل إلى مشروع وصاية جديدة مقنّعة، تُدار هذه المرة من بوابة "الحلول الأمنية والسياسية".

 

ما يُطرح حاليًا لا يتعلق فقط بالسلاح، بل بإعادة رسم موقع لبنان الإقليمي، مع طرح إسرائيل كشريك ضمني في الترتيبات المقبلة. باراك لمّح صراحة إلى أن إسرائيل يجب أن تكون "جزءًا من هذه العملية"، وهو ما يتجاوز النقاش حول سلاح حزب الله، ويدخل لبنان في مسار تطبيع غير معلن، يتم تمريره من خلال ملفات الأمن والاقتصاد.

 

حزب الله بين الواقع السياسي والضغوط الإقليمية

 

من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل ما قاله باراك حول إدراك حزب الله لتغيّر الظروف الإقليمية، خاصة في ضوء إعادة تشكّل سوريا، والانفتاح الخليجي المتسارع. فالحزب نفسه بدأ يُظهر – ضمنًا – نوعًا من البراغماتية السياسية، لكنه في الوقت نفسه يتمسك بسلاحه كضمانة في ظل غياب توافق داخلي شامل حول الدولة وأدوارها.

 

التعامل مع الحزب يجب أن يكون ضمن مشروع وطني جامع، لا من خلال "صفقات خارجية". لا انتزاع بالقوة، ولا تسويات منفصلة. المسألة تتعلق ببناء عقد اجتماعي لبناني جديد، لا مجرد تفكيك ترسانة عسكرية.

 

الجيش اللبناني: الدور الممكن والمخاطر المحتملة

 

يشير باراك إلى ضرورة تمكين الجيش اللبناني ليكون الأداة التنفيذية لأي خطة نزع سلاح. ورغم أن المؤسسة العسكرية تحظى باحترام واسع، إلا أن تحميلها وحدها مسؤولية هذا التحوّل يطرح مخاطر جمّة. فالجيش ليس طرفًا سياسيًا، ولا يمكن أن يُزج به في صراعات داخلية أو ملفات إقليمية معقدة، دون أن يدفع الثمن من سمعته ووحدته.

 

دعم الجيش ضرورة، لكن بشرط ألا يكون ذلك مشروطًا بمهمات تتجاوز قدراته أو تُحوّله إلى أداة صراع داخلي.

 

 السيادة لا تقبل الانتقاص

 

تصريحات باراك تفتح بابًا لنقاش لبناني داخلي جاد:

هل يمكن الخروج من الأزمة ببناء تسوية وطنية شاملة، تحفظ السيادة وتوحد القرار، أم أن الضغوط الخارجية ستفرض تسوية مفروضة تعمّق الانقسام بدل أن تحلّه؟

 

ما يحتاجه لبنان ليس وساطات مغلّفة، ولا صفقات يتم طبخها خارج البلاد.

ما يحتاجه هو إرادة سياسية داخلية، وبرنامج سيادي واضح، يضع حصر السلاح بيد الدولة كهدف، لكن ضمن رؤية وطنية لا بإملاءات دولية.

 

لبنان لن يُبنى بسلاح حزب، ولا بخرائط تُرسم من الخارج.

بل ببناء دولة حقيقية، قادرة على أن تقرر مصيرها وحدها، لا أن يُقرَّر عنها.