استغلال الفرصة الأخيرة للوزراء قبل التسليم
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري
في مشهد يفضح تمامًا حدة الاستعجال وراء الكواليس، بدأ عدد من الوزراء في جمع ملفاتهم داخل الوزارات التي كانوا يتقلدون فيها المناصب، تمهيدًا لتسليمها في الأيام القليلة المقبلة، بالتوازي مع الحديث المتزايد عن تشكيل الحكومة الجديدة بسرعة غير مسبوقة. هذا التحرك لم يكن مجرد خطوة إدارية عابرة، بل كان يتسم بالتعجل الذي يعكس حالة من القلق بشأن المرحلة المقبلة، لا سيما في ظل الغموض السياسي الذي يكتنف تشكيل الحكومة.
المفاجأة الأكبر التي بدأت تظهر مع مرور الوقت هي تلك التي تأتي من السراي الحكومي، حيث لا يقتصر العمل على التنظيم والإعداد لاستلام الملفات فقط، بل يشمل أيضًا "إنهاء" المعاملات العالقة التي كانت تنتظر توقيعًا من الوزراء. كل وزير يسعى اليوم لتسريع الإجراءات وتوقيع ما يمكنه توقيعه من معاملات، بما في ذلك بعض المعاملات الحيوية التي كان من المقرر أن تتوقف لفترة طويلة. وفي هذا السياق، يبدو أن الهدف من هذا الضغط هو تمهيد الطريق لتسليم الملفات الوزارية، مع ضمان مرور أكبر قدر ممكن من القرارات في اللحظات الاخيرة.
في الواقع، يشير المتابعون إلى أن الأيام القليلة التي تفصل عن التسليم قد تكون محطة استغلال أخيرة للنفوذ السياسي، حيث يُتوقع أن يقوم الوزراء بتوقيع معاملاتهم العالقة أو المتوقفة. هذا ليس مجرد إجراء روتيني، بل هناك ضغط مستمر لتمرير المعاملات الحزبية والمصالح السياسية الخاصة، وذلك في سعي لاستخدام آخر لحظة في المنصب لتحقيق مكاسب معينة. وكل وزير يبدو مستعدًا للاستفادة من تأثيره الحكومي على الرغم من انقضاء مهامه الرسمية، ليضمن أن لا تذهب الفرص سدى، سواء كانت في مجال التعيينات أو المشاريع أو حتى العقود.
ما يثير القلق في هذا المشهد هو أن هذه التصرفات قد تتم على حساب المصلحة العامة، حيث يتم تقديم المصالح الحزبية الضيقة على حساب احتياجات المواطنين والدولة. الأهم من ذلك، أن التنافس بين الوزراء على توقيع المعاملات أو تسريع المشاريع قد يكون مجرد حلقة من سلسلة أكبر من المصالح السياسية التي لا تجد لها مكانًا في المعادلة الحكومية القادمة. في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى تشكيل حكومة كفاءات، يظهر أن جزءًا من المسؤولين يتعاملون مع منصاتهم الوزارية كما لو كانت فرصة أخيرة لتثبيت نفوذهم في الملفات الحساسة.
إن هذا السلوك يكشف عن خلل عميق في النظام السياسي اللبناني، حيث تتداخل المصالح الشخصية والحزبية مع القرار الحكومي، ويظل المواطنون في دائرة الانتظار لمستقبل قد لا يختلف كثيرًا عن الماضي. إن الحكومة المقبلة، سواء كانت حكومة كفاءات أم تكنو-سياسية، ستواجه تحديات ضخمة في ظل هذا الواقع المعقد. لكن الأمل يبقى في أن يتمكن المسؤولون الجدد من استعادة الثقة بالوطن والمواطن، وتجاوز هذا المشهد المربك الذي لا يخدم سوى الطموحات الضيقة.
في الوقت الذي يودع فيه الوزراء وزاراتهم، يبقى السؤال الأهم: هل سينجح هؤلاء في ترك أثر إيجابي في تلك الوزارات التي خدموا فيها، أم سيظل الاستغلال السياسي والتجاذبات الحزبية سيدة الموقف؟ الإجابة قد تتضح في الأيام القادمة، ولكن حتى ذلك الحين، لا يزال المواطنون في انتظار أن تتضح معالم الحكومة الجديدة وأهدافها الحقيقية، بعيدًا عن الممارسات التي لا تخدم سوى المصالح الذاتية.