إما سلاح الدولة... أو لا دولة!

بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

إما سلاح الدولة... أو لا دولة!

نافذة الإنقاذ تضيق... والوقت يهرب من بين الأصابع

 

في لحظة إقليمية تغلي بالتبدّلات الجيوسياسية، يقف لبنان مجددًا عند مفترق طرق مصيري، قد يكون الأخير في تاريخه الحديث: إما دولة تُستعاد، أو دويلة تُكرّس وتُختزل فيها الهوية والقرار والمستقبل.

 

بعد عقود من الانهيار والتفكك، فُتحت نافذة إنقاذ غير مسبوقة أمام بيروت، برعاية دولية وعربية متقاطعة، تمثلت في انتخاب العماد جوزيف عون رئيسًا للجمهورية، وتكليف نواف سلام بتشكيل حكومة إصلاح وعبور. لكن هذه النافذة ليست أبدية، بل مشروطة... بلغة صارمة لا تقبل التأجيل: حصرية السلاح بيد الدولة، وإصلاحات بلا مساومات.

 

في الكواليس الدولية، لبنان لا يحتل الصدارة. هناك من يقول بوضوح: دمشق صارت أقرب إلى العواصم الكبرى من بيروت. أحمد الشرع، الرئيس الانتقالي السوري، يستقبل في البيت الأبيض، وتُرفع عنه العقوبات، بينما لبنان لا يزال يناقش "جدوى الحوار" مع حزب يملك جيشًا خارج الشرعية.

 

سلاح الأمر الواقع... حتى متى؟

 

الأسئلة التي لا تُطرح في العلن تتفجر اليوم بوجه الدولة اللبنانية:

 

ما الجدوى من استمرار "حوار نوايا" مع حزب الله إذا كانت السقوف غير متكافئة؟

 

هل يمكن بناء أمن وطني جامع، واستعادة الثقة الدولية، فيما تبقى بنى عسكرية خارج نطاق الجيش؟

 

ما معنى أن يُربط مصير السلاح بتفاهم أميركي – إيراني لم تتضح ملامحه بعد؟

 

 

اللبنانيون يُمنَعون من الحلم بصيف سياحي واعد. إسرائيل تُمطر الجنوب والبقاع بغارات تدميرية، وتعيد القرى إلى زمن النزوح، لا فقط كرسالة لحزب الله، بل لتذكير العالم: لا استقرار في لبنان طالما بقيت ثنائية "الدولة – المقاومة" قائمة.

 

حزب الله: بين الواقعية والإنكار

 

حزب الله اليوم أمام لحظة مراجعة لا تقل خطورة عن كل الحروب التي خاضها. هل يريد أن يكون شريكًا في الدولة، أم وصيًّا عليها؟ وهل يجوز بعد كل ما حلّ بالبلد من مآسٍ ودمار أن يستمر في التلويح بسلاحه كأنه فوق الوطن؟

 

سياسة الإنكار لم تعد تنفع. الجمهور الذي ضحّى ودفع الأثمان، يريد أجوبة: لماذا لم يُحسب رد الفعل الإسرائيلي على غزة؟ لماذا الصمت أمام الغارات؟ لماذا لم يُحاسَب أحد؟

 

الهروب إلى الأمام لا يبني دولاً، والتخلي عن الفرص الكبرى يعني انتحارًا وطنيًا جماعيًا.

 

أميركا والعرب: الرسائل وصلت

 

واشنطن تؤجل زيارة مسؤوليها. العواصم الخليجية تترقب. هناك إجماع صامت: لن يُسلَّم للبنان دولارٌ واحد إذا لم تَحسم الحكومة سيادتها، وإذا لم يُسلّم حزب الله سلاحه غير المشمول في استراتيجية وطنية موحدة.

 

المعادلة لم تعد سياسية فقط، بل اقتصادية – سيادية. إما الدولة، وإما استمرار النزيف.

 

مطلوب موقف لبناني جريء

 

اليوم، أكثر من أي وقت مضى، لبنان بحاجة إلى:

 

قرار سيادي شجاع يُخرج البلاد من منطق المحاصصة نحو منطق الدولة الجامعة.

 

إنهاء حالة السلاح الموازي، وإعادة دمج كل القوى تحت راية الجيش.

 

مصارحة وطنية كبرى حول كلفة خيارات المقاومة، وأثمانها الداخلية.

 

أليس من المخجل أن تُهدى دمشق فرص التعافي، بينما تُغلق أبواب العواصم في وجه بيروت؟

 

أليس من المعيب أن يتحول "الصمت الاستراتيجي" إلى غطاء لإبقاء لبنان رهينة الانتظار؟

 

كفى شراءً للوقت... فلبنان يدفع الثمن من دمائه، وأطفاله، ومستقبله.

 

على حزب الله أن يختار: إما السلاح أو الدولة. كلاهما لم يعد ممكنًا.

 

هذا المقال ليس تحريضًا، بل إنذار. ليس خطاب كراهية، بل جرس وطن.

 

الفرصة موجودة... لكنها لا تنتظر طويلاً.