زعيم ما بعد الطائفة: جنبلاط يحارب بالوعي في زمن الانقسام

بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

زعيم ما بعد الطائفة: جنبلاط يحارب بالوعي في زمن الانقسام

في زمنٍ يتزاحم فيه الصخب وتُصبح الحكمة عملة نادرة، يخرج وليد جنبلاط من صمت الحكمة، ليؤكد مرةً جديدة أن الزعامة ليست سلطة، بل مسؤولية تاريخية تتجدد في اللحظات الحرجة. وما بين دمشق، وفلسطين، وجبل لبنان، يرسم "بيك المختارة" خطًا وطنيًا وعروبيًا لا تحجبه الفتن ولا تغسله الحسابات.

 

زيارة وليد جنبلاط إلى دمشق، في توقيتٍ بالغ الدقة، لم تكن مجرد لقاء سياسي بروتوكولي، بل كانت صرخة استباقية في وجه الأعاصير القادمة. هو الزعيم اللبناني الوحيد الذي تجرّأ على كسر الجمود والذهاب إلى الشام، حين كان الصمت يسود والمخاوف تتراكم. لم يكن يبحث عن صفقة، بل عن حماية ما يمكن حمايته من تماسك النسيج الدرزي، بل والمشرقي كله، في لحظة تزداد فيها الأصوات المتطرفة حدة.

 

وفي الوقت الذي حاولت فيه جهات خارجية، لا تخفى نواياها، العبث بهوية دروز فلسطين، كان صوت وليد جنبلاط أعلى من محاولات الشقاق: "نحن عرب، وجذورنا في الأرض العربية". لم تكن هذه الجملة مجرد موقف سياسي، بل كانت إعلان انتماء، ونداء أصيل في وجه المشاريع التي لا تعرف سوى التفتيت.

 

جنبلاط، كما عرفه اللبنانيون والعرب، لا يقف عند حدود الطائفة، ولا يُقاس بأطر حزبية ضيقة. هو زعيم بإحساس المصلحة العامة، بعينٍ تراقب تحولات الإقليم، وبصدرٍ يتلقى الصدمات قبل أن تتوسع. في لحظات الصمت، كان صوته ضرورة. وفي أوقات الانقسام، كان جسراً.

 

إن قراءة تصريحاته وبياناته خلال هذه المرحلة تُظهر زعيمًا يدرك خطورة التوقيت، ويستشرف ما بعد العاصفة. لم يُغازل الانفعال، ولم يستسلم لتيارات العنف الرمزي أو السياسي. بل وقف متماسكًا، مدركًا أن الحفاظ على وحدة الدروز، بل ووحدة الشعوب، لا تكون بالصراخ بل بالحكمة، لا بالخوف بل بالمبادرة.

 

الدروز، كما وصفهم، ليسوا جزيرة معزولة، بل جزء لا يتجزأ من المشرق العربي. وما يصيب جزءًا منهم، يصيب الجميع. لهذا كان موقفه جامعًا، ونداؤه وحدويًا، بعيدًا عن التجييش أو الخطاب المتشنج.

 

في عالمٍ تتسارع فيه التحولات، يظل وليد جنبلاط حالةً خاصة. زعيم يقرأ الجغرافيا السياسية كما تُقرأ القصائد: بتأمل، وصدق، وخوف على المصير. وحين يصمت الكثيرون خوفًا من الكلمة، يكون صوته هو الممر إلى العقل.

 

وليد جنبلاط لا يخوض المعارك الصاخبة، بل يخوض معركة واحدة متكررة: معركة إنقاذ التوازن في لحظات فقدانه.