"عدالة حسب الهوية": عندما يُسجن البعض بلا محاكمة… ويُحمى البعض من المحاكمة
خاص مراسل نيوز

لبنان اليوم ليس فقط دولة تنهار اقتصاديًا، بل دولة تتآكل أخلاقيًا وعدليًا. مشهد العدالة فيها صار مرآةً للتمييز، والسجون تعجّ بمن لا حماية سياسية لهم، فيما يتم تجاهل علني لمذكرات قضائية بحق شخصيات نافذة.
سجون مزدحمة... بعدالة معلّقة
في السجون اللبنانية، يقبع عشرات من الموقوفين المسلمين، تحديدًا من الطائفة السنية، منذ سنوات دون محاكمات. ليست هذه مرافعة لتبرئتهم، بل نداء قانوني وأخلاقي يقول: إن استمرار احتجاز أي مواطن دون محاكمة لسنوات هو وصمة عار قضائية.
أين القضاء من حقوق هؤلاء؟ من المحاكمة العلنية؟ من علنية الأدلة؟ من تحديد المسؤولية الفردية؟ هل يُعقل أن يتساوى المتهم بالقاتل، والمتهم بالمشتبه، في "سلة التوقيف غير المنتهي"؟
أما من تُرفَع بوجههم مذكرات توقيف… فلا أحد يجرؤ على تنفيذها
في المقابل، أصدر القاضي طارق البيطار، المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، مذكرة توقيف واضحة وصريحة بحق وزير المالية السابق علي حسن خليل، أحد أبرز رجالات الطبقة السياسية الحاكمة، والمقرّب من رئيس مجلس النواب نبيه بري.
ولكن، رغم وضوح القانون، لم تُنفّذ المذكرة. لم يُستدعَ علي حسن خليل، لم يُحرّك الأمن، ولم يُعترض سبيله رغم ظهوره العلني المتكرر. وكأن القانون يُطبّق على "فئة"، ويُعلّق على "فئة محصّنة".
وتهديد القاضي… مرّ مرور الكرام
لم يقتصر الانهيار على تعطيل المذكرات، بل تعداه إلى ما هو أخطر: تهديد القضاء نفسه.
عندما دخل مسؤول وحدة التنسيق في حزب الله، وفيق صفا، إلى قصر العدل برسالة شفهية إلى القاضي طارق البيطار تتضمن تهديدًا بـ"قبعه"، لم تتحرك النيابة العامة ولا الأجهزة الأمنية.
لم يُستدعَ صفا للاستجواب، لم تُفتح دعوى تلقائية، لم تُنفذ ملاحقة... وكأن التهديد العلني لقاضٍ في قضية انفجار دمّر نصف العاصمة ليس حدثًا يستدعي التحقيق أو الرد.
العدالة التي ترى بلون واحد
أي قضاء هذا الذي يتشدد مع شباب موقوفين منذ عشر سنوات لمجرد الاشتباه، ويتجاهل وزيرًا مطلوبًا أمام القانون؟
أي نظام هذا الذي يُخوّن من يطالب بمحاكمة، ويُصمت من يتحدث عن التمييز؟
لماذا تسكت المؤسسات الحقوقية والدينية والنقابية على هذا الانفصام في وجه العدالة؟
العدالة ليست سيفًا بيد السياسة
العدالة لا تتحقق بكمّ الأفواه، ولا بالانتقائية. بل تتحقق حين:
تُنفذ المذكرات على الجميع،
يُستدعى من يهدد قاضيًا،
وتُفرج المحاكم عن من لا دليل قانونيًا ضده، بعد محاكمة علنية.
صرخة أخيرة: لا عدالة مع ازدواج المعايير
ما يجري في لبنان ليس أزمة قضائية فحسب، بل أزمة هوية وطنية.
هل نريد دولة قانون، أم نظام حماية طائفية؟
هل نريد محاكم تقرر المصير، أم زعامات تُحدّد من يُدان ومن يُحمى؟
الوقت ليس في صالح أحد… العدالة إن لم تُنقذ، سيسقط الوطن كله في فخ الانفجار الأخلاقي والقانوني.