تكليف شرعي من إيران: حزب الله مأمور لا مخيّر

بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

تكليف شرعي من إيران: حزب الله مأمور لا مخيّر

في توقيت حرج يشهد فيه لبنان تحوّلات عميقة إقليميًا وداخليًا، برز موقف حاسم لرئيس الحكومة نواف سلام أربك المشهد السياسي ووضع حزب الله أمام معادلة غير مسبوقة. فقد ثبّت سلام آلية مراقبة أمنية دقيقة على حركة المطار، بالتعاون مع جهة دولية، تطبيقًا حرفيًا لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم في نوفمبر الماضي، وهو ما اعتُبر تحديًا ضمنيًا لهيمنة الحزب على المعابر السيادية.

 

الإجراء الأمني هذا، الذي تم بموافقة غير معلنة من الحزب، تحوّل إلى سلاح بيد الدولة ضد من كان يحتكر قرارها. فسلام، بهدوئه المعتاد، يفتح باب المحاسبة الوطنية: هل يمكن لحزب الله أن يكون جزءًا من مشروع سيادي لا يقوم على السلاح؟

 

في خلفية هذا المشهد، جاء التحوّل الأكبر من طهران. ففي لقاء مغلق، نقل وزير الخارجية الإيراني رسالة مباشرة إلى قيادة الحزب: "تكليفكم الشرعي هو البقاء، لا التصعيد". هذه الكلمات، وفق مصادر موثوقة، لم تكن مجرد توصية، بل إعلان بانتهاء زمن الغلبة بالسلاح، وانطلاق مرحلة الكمون التكتيكي.

 

الضاحية الجنوبية، قلب نفوذ الحزب، تلقت ثماني ضربات إسرائيلية مدمّرة مطلع يونيو، وسط صمت رسمي لافت. لا بيانات، لا ردود، ولا حتى إعلان عن شهداء. المقاومة التي كانت تُغذّي جمهورها بالسرديات، تخلّت فجأة عن لغتها. والمفارقة أن نواف سلام لم يُعلّق، لكنه ترك للإجراء الأمني أن يتكلم.

 

اليوم، يتقدّم سلام بهدوء رجل الدولة نحو لحظة الحقيقة. فإمّا أن يحتكم الجميع إلى الدولة، أو يواجهوا سقوطًا أخلاقيًا وسياسيًا أمام جمهور أنهكته الازدواجية: شعارات بلا حماية، وخطابات بلا مساءلة.

 

البيئة التي شكّلت حاضنة الحزب بدأت تتساءل: إلى متى الصمت؟ من يدّعي تمثيل الناس لا يختبئ عنهم، ومن يحمل السلاح لا يصمت عند الضربات. وهنا تكمن خطورة المرحلة: حين تتحوّل المقاومة إلى عبء على جمهورها، وحين يتقدّم صوت الدولة على حساب الصمت المسلّح.

 

التاريخ لا ينتظر، ونواف سلام يُعيد تعريف اللعبة: من يملك شرعية القرار؟ من يحمي لبنان بالفعل لا بالقول؟ الجواب بات واضحًا أكثر من أي وقت مضى.