نواف سلام: من شرعية الجامعة إلى شرعية الدولة... لبنان أمام لحظة القرار
بقلم الكاتب و الباحث السياسي عبد الحميد عجم

في لحظة نادرة من الوضوح السياسي، يقف نواف سلام – ابن الدولة والمؤسسات، حامل إرث السوربون وهارفارد، لا إرث السلاح والخنادق – ليخوض معركة لا تقل خطورة عن أي حرب خاضها اللبنانيون في عقودهم الدامية. معركة الدولة ضد من صادرها، معركة الكلمة ضد البنادق، ومعركة العقل ضد العبث.
لبنان، الذي نجا بأعجوبة من انهيار شامل، يملك اليوم فرصة لا تتكرر إلا كل نصف قرن: رئيس حكومة بحجم نواف سلام. رجل خرج من رحم العدالة الدولية، لا من دهاليز الصفقات. لم يكن جزءاً من حروب الطوائف، ولا من معسكرات الخارج. بل من مدرسة القانون، والحقوق، والشرعية الدولية.
لم تعد المشكلة فقط في إسرائيل التي تحتل بعض التراب، بل في من يحتل القرار اللبناني من الداخل. في سلاح موازٍ، في دبلوماسية موازية، في جيش داخل الجيش. في من يفاوض باسم لبنان دون تكليف، ويُطلق النار باسم لبنان دون إذن، ويُجرّ البلاد إلى حروب لا يعرف عنها شعبها سوى أخبار الجثث والانفجارات.
نواف سلام ليس في حرب مع طائفة أو حزب، بل مع المفهوم الذي جعل لبنان «أرضاً للجهاد» بدل أن يكون وطناً للعدالة. هذا المفهوم الذي حوّل المطار إلى ساحة تصفية حسابات إيرانية، والمرفأ إلى مستودع موت، والضاحية إلى ميدان تجريب للأسلحة الإيرانية.
يُقال إن سوريا تغيّرت حين قررت تغيير طريقة التفكير. الرئيس أحمد الشرع – رغم كونه صورة رمزية – قرأ التحولات بواقعية، لا بشعارات. لم يهاجم إسرائيل، لم يتحدث عن «مقاومة»، بل عن استقرار بلده المدمَّر. تحالف مع من كان خصماً، عقد الصفقات، وابتعد عن الدعاية والدم.
في لبنان، نواف سلام يفعل الشيء نفسه لكن بثوب أكثر شرعية. لا ينتمي إلى محور، ولا يرفع راية غير راية الدولة. ومع ذلك، هناك من يضع العراقيل. من يعتبر أن السيادة خطر على «التوازنات»، وأن نزع السلاح خيانة، وأن الانفتاح على العالم مؤامرة.
إما أن نربح مع نواف سلام... أو نخسر لبنان
نواف سلام ليس زعيماً طائفياً، ولا "زعيم محلّي". هو مشروع دولة. مشروع عقلنة. مشروع إنقاذ لا يحب الظهور ولا يتقن العنتريات. لهذا هو خطير على من يستمد وجوده من الفوضى. من يحتكر السلاح، ويحتكر الحقيقة، ويحتكر حتى الحزن الوطني.
اليوم، على اللبنانيين أن يختاروا:
إما دعم نواف سلام وهو يفاوض، ويعيد بناء الدولة، ويفكك الألغام المزروعة في جسد الوطن.
أو البقاء أسرى معادلات واهية: «الجيش لا يكفي»، «المقاومة ضرورة»، «المفاوضات خيانة».
لكن لبنان لا يحتمل معادلات. يحتمل فقط دولة واحدة. دستور واحد. جيش واحد. قرار واحد
لبنان ليس «جبهة» لأحد. ليس «ورقة» في يد أحد. وليس ميداناً لـ«نصر إلهي» يدفع ثمنه الشعب كل عقد. نواف سلام يعرف هذا، ويقاتل من أجله بقوة القانون لا الرصاص.
فليكن هذا التحذير الأخير: إن لم ندعم نواف سلام اليوم، سنبكي وطناً ضاع غداً. ولات ساعة ندم.