إسرائيل تتقمّص الدور الإيراني: الجنوب السوري مختبر جديد لـ"تصدير النفوذ"
بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

هل نشهد نسخة إسرائيلية من المشروع الإيراني في سوريا؟ هذا السؤال لم يعد مجازياً. فكما استخدمت طهران الميليشيات الشيعية من بغداد إلى بيروت لزرع نفوذها العابر للحدود، تتحرك إسرائيل اليوم في جنوب سوريا على إيقاعٍ مشابه، لكن بأدوات مختلفة عنوانها هذه المرة: "حماية الدروز".
قبل سنوات، كانت إيران تدخل إلى المجتمعات الشيعية بعباءة الحماية من "التكفيريين"، لتزرع فيها "فاطميون" و"زينبيون" و"حزب الله". اليوم، ترتدي إسرائيل عباءة الحامي للأقليات، وبالأخص الطائفة الدرزية، وتتدخل عسكرياً وسياسياً وحتى اجتماعياً في الجنوب السوري، تحت الذريعة نفسها: "الحماية من التطرّف".
لكن ما الذي يجري حقًا؟ ومن يحمي من؟ وأين تتقاطع إسرائيل مع إيران في عمق اللعبة السورية؟
دروز سوريا... ورقة إسرائيل الجديدة
لأول مرة منذ عقود، دخل وفد من الدروز السوريين إلى إسرائيل – مشهد رمزي، لكنه عميق. استُقبلوا بالأعلام، بالتصفيق، وبخطاب سياسي واضح من المسؤولين الإسرائيليين: نحن الحماة. إسرائيل، التي ترفض الاعتراف بالنظام السوري الجديد، تستعرض طائراتها فوق السويداء، وتطلق رسائل نارية إلى دمشق: "اقتربوا من الدروز... وسنقصفكم".
هل نبالغ؟ للأسف لا.
فهذا بالضبط ما كانت تفعله إيران حين استخدمت طائفة مضطهدة كمبرر للتدخل، وحين أنشأت "مربعات أمنية" محمية بالسلاح والخطاب الطائفي. الفرق الوحيد أن إسرائيل لا ترفع راية "الولاية"، بل راية "الأمن القومي".
سياسة المناطق الرمادية: إسرائيل تنسج شبكة نفوذ داخل سوريا
مثلما زرعت إيران نفوذها في الأطراف لتمزيق المركز، تفعل إسرائيل الشيء نفسه في الجنوب السوري. لا تريد إسقاط دمشق ولا دعمها، بل إبقاء الدولة مفككة، ضعيفة، بلا مركز فعلي. ولهذا تسعى لإبقاء مناطق الدروز في حكم شبه ذاتي، تحاصرها "الضمانات الأمنية" الإسرائيلية، دون أن تلتزم تل أبيب بأي دفاع فعلي حقيقي.
هذه استراتيجية تطويع من دون التزام، وهي نسخة طبق الأصل من عقيدة إيران في العراق وسوريا ولبنان: نمنحك الحماية، نغذي مخاوفك، ونجعلك أداة في يدنا، لا شريكًا.
خطر تقسيم الهوية الطائفية
لكن الخطر الحقيقي لا يقف عند حدود الصراع الجيوسياسي. إسرائيل تلعب بالنار داخل النسيج الاجتماعي السوري، تمامًا كما فعلت إيران في لبنان. طائفة كانت جزءًا من المجتمع السوري تُدفع الآن إلى العزلة، وتُتهم بـ"التحالف مع العدو"، وتُستفز لتكون رأس حربة في صراع لا يشبهها.
النتيجة؟ سيناريو لبناني جديد في الجنوب السوري. طائفة محاصرة، بين سلطة لا تثق بها، و"حليف" لا يحميها بل يستثمر فيها.
اللعبة مكشوفة... ولكن الخطأ عربي
الخلل الأخطر ليس في وقاحة السياسة الإسرائيلية، بل في الصمت العربي. تمامًا كما تُرك لبنان لمصير حزب الله، تُركت السويداء ودرعا لتكونا مسرحًا لتجريب سياسة إسرائيلية هجينة: تطبيع جغرافي وأمني بالقوة، لا بالمفاوضات. بناء حزام أمني ناعم يشبه ما كانت إسرائيل تحاول فعله في جنوب لبنان
فأين العرب من هذا؟ أين الدول التي تسعى إلى تطبيع سلمي؟ هل تُترك سوريا لتُستباح مرة باسم إيران، ومرة باسم إسرائيل؟
اإسرائيل لا تحمي... إسرائيل تخترق
الرسالة واضحة. إسرائيل لا تقدم "حماية"، بل تستنسخ أدوات إيران بأسماء جديدة: لا "لواء زينبيون"، بل "الجار الطيب". لا "الحشد الشعبي"، بل "ضمانات أمنية للدروز". لا ولاية الفقيه، بل عقيدة "الحدود الآمنة بأي ثمن".
وتمامًا كما انتهى المشروع الإيراني إلى استنزاف الطوائف التي ادّعى حمايتها، فإن المشروع الإسرائيلي الجديد مهدد بأن يفجّر الطائفة الدرزية من الداخل، ويحوّل الجنوب السوري إلى ساحة صراع دائمة.
إسرائيل تتقمص إيران... ولكن بطريقة أكثر برودة، ودهاءً، وخطورة.