لبنان والسلاح: بين شكر المقاومة وفرض منطق الدولة
بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

“لبنان لا يحتاج إلى مقاومة جديدة، بل إلى شجاعة جديدة.”
حين قال توماس برّاك، المبعوث الأميركي من أصل لبناني، إن "لبنان يواجه تهديداً وجودياً"، لم يكن يرمي جملة عابرة في الهواء. بل وجّه صفعة قاسية، فيها ما يشبه إعلان الإفلاس السياسي لدولة فقدت قرارها، وضاعت بين سلاح لا يخضع لها، ونظام عاجز عن إنتاج نفسه.
التصريح الأميركي أعاد طرح السؤال الذي نرفض مواجهته منذ عقود:
هل يمكن للبنان أن ينهض كدولة حقيقية، بينما القرار الأمني والعسكري خارج يده؟
الحقيقة التي نتجنّبها
سلاح حزب الله ليس مجرد ملف خلافي، بل عقدة السيادة اللبنانية منذ اتفاق الطائف.
ليس لأنه سلاح مقاوم بحد ذاته، بل لأنه صار مرتبطاً بموقع لبنان الجيوسياسي أكثر من موقعه الوطني.
حزب الله هو جزء من محور إقليمي تقوده إيران.
قراره العسكري لا يمر عبر مجلس الدفاع الأعلى ولا المؤسسات اللبنانية.
والأخطر: أن هذا السلاح بات يستخدم كورقة تهديد داخلية كلما حاول أحد المطالبة بإصلاح فعلي.
النتيجة؟ دولة شبه مشلولة، بلا هيبة، بلا اقتصاد، وبلا حدود سياسية واضحة.
آن الأوان للحل الواقعي
لا أحد يريد حرباً أهلية. ولا أحد يطالب بإهانة حزب قاتل إسرائيل وحرّر الجنوب.
لكن لا دولة تُبنى بسلاح خارج سيادتها، ولا إصلاح يُنجز تحت ظل التهديد.
الحل المنطقي، الوطني، والوحيد الممكن اليوم:
"نزع السلاح مقابل الدولة الكاملة"
جدولة زمنية واضحة لدمج السلاح النوعي والثقيل في إطار الدولة.
ضمانات لحزب الله وقاعدته الشعبية بالمشاركة والتمثيل والكرامة.
رعاية دولية – عربية لمواكبة هذا التحوّل بإعادة إعمار سياسي واقتصادي شامل.
هذا ليس استسلاماً. بل هو صفقة سيادية تحفظ الكرامة وتؤسّس لبلد حقيقي.
إلى حزب الله: شكراً... لكن كفى
شكراً لكل مقاوم حقيقي قاتل في الجنوب، سقط شهيداً على الأرض، وصمد في وجه الاحتلال.
لكن مشروع المقاومة لا يبرّر البقاء في حالة استثناء دائم.
اللبنانيون اليوم لا يريدون سلاحاً، بل دولة.
لا يريدون معارك إقليمية، بل خبزاً وكهرباء وعدالة وكرامة.
لبنان لا يطلب من حزب الله أن يُسلّم، بل أن يتحوّل.
أن ينتقل من دور المقاوم إلى دور الحامي… من خارج الدولة إلى داخلها.
تحية لكل شهيد سقط لأجل لبنان
لكل من استُشهد من الجنوب إلى الشمال، من الجيش إلى المدنيين، من كل الطوائف،
هؤلاء لا يستحقون أن يتحوّل دمهم إلى غطاء لمعادلات إقليمية أو طائفية.
تحية لهم… فهم وحدهم من قدّموا ما يكفي ليقوم هذا البلد من جديد.
كل تأخير في حلّ ملف السلاح هو إطالة في زمن الانهيار.
وكل تجاهل للواقع هو مساهمة في زوال الكيان.
> لبنان لا يحتاج إلى مزيد من البنادق.
لبنان يحتاج إلى قرار شجاع ببناء الدولة… مهما كان الثمن.
هل يملك حزب الله هذا النوع من الشجاعة؟
هذا هو السؤال الذي سيحدّد مصير بلد بكامله.