صفقة على ظهر الشعب: باسيل يصرخ وعدوان يُبرم... وسلام وحده في العاصفة

بقلم هيئة التحرير مراسل نيوز

صفقة على ظهر الشعب: باسيل يصرخ وعدوان يُبرم... وسلام وحده في العاصفة

في بلد تحوّل فيه البرلمان إلى مسرح استعراض، والناس إلى متفرجين مرهقين من اللا جدوى، برزت في جلسة مساءلة الحكومة ثلاث شخصيات تحركت كل واحدة منها بخلفية مختلفة.

جبران باسيل أراد الإثارة، جورج عدوان أراد التموضع، ونواف سلام بقي يحاول الحكم بواقعية بين ألغام السياسة والمصالح والخراب.

 

باسيل: تصعيد خاسر ومكشوف

 

النائب جبران باسيل، رئيس "التيار الوطني الحر"، فاجأ الجميع بطرح الثقة في الحكومة، وهو يعلم علم اليقين أن لا أكثرية لإسقاطها.

النتيجة كانت متوقعة: 69 نائباً جددوا الثقة، مقابل 9 معارضين فقط.

 

فلماذا فعلها؟

الجواب بسيط: لأن باسيل يبحث عن عدو وهمي يعيد إليه زخمه الشعبي بعد سنوات من الغرق في ملفات العهد والانهيار والاتهامات.

اختار الحكومة خصماً، لكن الطلقة جاءت خلبية.

خرج معزولاً، لا أحد تضامن معه، حتى بعض حلفائه تهرّبوا من ركوب الموجة.

وكان التعليق الأبلغ من النائب إلياس حنكش:

 

> "شو كان بدّك بهل شغلة يا جبران؟"

 

 

عدوان: ازدواجية "الثقة المشروطة"

 

النائب جورج عدوان حاول أداء دور المعارض المنضبط، فشارك في طرح الثقة... ثم صوّت لتجديدها.

قال بوضوح:

 

> "نؤيد طرح الثقة لتجديد الثقة"...

عبارة قد تبدو محكمة، لكنها تحمل مستوى عالياً من التذاكي السياسي.

 

عدوان، باسم "الجمهورية القوية"، يلوّح بالخروج من الحكومة، ثم يمنحها غطاء برلمانياً... مع شروط.

هو لا يريد أن يصطدم مع الأميركيين، ولا أن يظهر كمعرقل داخلي.

لكنه أيضاً لا يريد ترك الشارع المعارض لباسيل وحده.

إنه ببساطة يحاول اللعب على كل الحبال... دون أن يقطع حبلاً واحداً بوضوح.

 

نواف سلام: رجل في ميدان ألغام

 

بين هذه التمثيليات، وقف رئيس الحكومة نواف سلام.

هادئ. دقيق. يحاول بناء الثقة عبر المؤسسات، لا عبر المنابر.

 

أكد في الجلسة التزامه بالبيان الوزاري، وبسط سلطة الدولة.

قال:

 

> "نعمل على استعادة الودائع، وعلى خطة واضحة لحصرية السلاح، ولكن ضمن جدول زمني متدرّج."

 

 

 

هنا لا نرى هروباً من الإجابات، بل تفادي الصدام مع وقائع أقسى من الخطاب.

سلام، بخلفيته القانونية والدبلوماسية، يدرك أن لبنان محكوم بتوازنات لا تُكسر بالكلام.

ولذلك هو يحاول أن "يُسيّر المركب" في بحر عاصف، دون أن يغرقه أو يفتعله عاصفة وهمية.

 

هل هو معصوم عن الخطأ؟ لا.

هل كان يمكنه أن يكون أكثر حزماً في ملف الودائع أو مواعيد الإصلاح؟ ربما.

لكن من الظلم أن يُقارن بمن يصنع الأزمات من أجل صوت انتخابي، أو بمن يناور بالمواقف داخل اللعبة نفسها التي ينتقدها.

 

في مشهد الجلسة النيابية، لم تُطرح الثقة بالحكومة فقط، بل كُشف من يشتغل للناس ومن يشتغل على الناس.

 

جبران باسيل أراد شد العصب وخسر الرصيد.

 

جورج عدوان أراد تسجيل نقطة تكتيكية لكنه كشف ازدواجيته.

 

ونواف سلام، وسط النار، اختار أن لا يرد الصراخ بالصراخ، بل بخطة، ولو بطيئة، تحاول سحب البلد من حافة الجنون.

 

فمن يستحق النقد؟

ومن يستحق أن نراقبه ونحاسبه، لكن بإنصاف، لا تصفية؟

 

الجواب صار واضحاً لكل من تابع الجلسة بعين العقل، لا بعين الهوى.