الطفلة التي قُتلت في المسجد: شرارة حرب نووية تشتعل بين الهند وباكستان

بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

الطفلة التي قُتلت في المسجد: شرارة حرب نووية تشتعل بين الهند وباكستان

المكان: الحدود الأكثر قابلية للاشتعال على وجه الأرض – كشمير

 

في زمنٍ يئن فيه العالم من صراعات الطاقة والتغير المناخي والكساد الاقتصادي، انفجر فتيل الغضب مجددًا فوق جبال كشمير، حاملاً معه رائحة البارود النووي، وصوت الانفجارات يدوّي من مظفر آباد حتى بونش راجوري. الهند، بقوة النار، وباكستان، بردّ غير مسبوق، والعالم… يراقب.

 

فجر الثلاثاء، وبينما كان العالم نائمًا على خيط واهٍ من السلام، أعلنت نيودلهي بدء "العملية سيندور"، هجوم خاطف استهدف تسعة مواقع داخل أراضي باكستان وفي الشطر الباكستاني من كشمير. "استهداف إرهابيين"، هكذا وصفت الهند ضرباتها الجوية، التي قالت إنها نُفذت "بدقة محسوبة دون نية تصعيد".

 

لكن باكستان كان لها رواية أخرى، وأكثر إيلامًا. طفلة ثلاثية العمر قُتلت في مسجد. ثمانية مدنيين قضوا. اثنان مفقودان. 35 مصابًا، والكارثة الكبرى: إسقاط مقاتلتين هنديتين داخل المجال الجوي الباكستاني. بهذا الرد، لم يعد المشهد "مجرد عملية عسكرية محدودة"، بل تحوّل إلى مواجهة فعلية بين قوتين نوويتين.

 

كشمير، الجرح المفتوح منذ 1947، لم تعد قضية "نزاع حدودي"… بل منصة اختبار لكل احتمالات الحرب الباردة الساخنة.

 

صمت العالم... أم خوفه؟

 

ما الذي يجعل العالم صامتًا أمام تصاعد دراماتيكي قد يودي بملايين الأرواح؟

الإجابة مرعبة وبسيطة: الخوف من الانفجار النووي. لا أحد يجرؤ على إغضاب نيودلهي أو إسلام آباد، لأن الشرارة القادمة قد لا تُمكّن أحدًا من كتابة العناوين القادمة.

 

يقول خبراء عسكريون إن "الهجمات الجوية بهذا الحجم نادرة بعد اتفاق وقف إطلاق النار عام 2003"، وإن "استخدام سلاح الجو بهذا الشكل لا يمكن إلا أن يُقرأ كرسالة دولية".

الرسالة واضحة: الهند لم تعد تقبل أن تُضرب داخل حدودها دون رد. وباكستان لن تسمح بانتهاك سيادتها دون تصعيد مضاد.

 

سياق محلي... وذرائع استراتيجية

 

الهجوم الهندي جاء بعد مذبحة دموية راح ضحيتها 26 سائحًا هندوسيًا في كشمير. وبدلًا من انتظار نتائج التحقيق أو التعاون الاستخباراتي، قررت نيودلهي تنفيذ ما يشبه "عدالة جوية استباقية".

 

من ناحيتها، باكستان تتهم الهند بالتخطيط المسبق للعملية واستخدام الهجوم ذريعة لتصفية حسابات قديمة. وهذا يعيد للأذهان عمليات 2016 و2019، حين نفذت الهند ضربات مماثلة داخل باكستان، تحت مسمى "الردع الفعال".

 

في مظفر آباد، المدينة التي شهدت أولى الضربات، انقطعت الكهرباء. ساد الصمت... ثم انفجر كل شيء. أصوات القصف المدفعي، تحليق الطائرات، انهيارات المباني، ووجع الناس الذين لا يعرفون من الذي بدأ، لكنهم يعرفون من يدفع الثمن: هم أنفسهم.

 

شهادات قرويين من الطرفين ترسم صورة كابوس: أطفال يهربون من المدارس، شيوخ يدفنون أقاربهم تحت الركام، ونساء يبكين بيوتًا تحولت إلى تراب.

 

ما يثير القلق أن التصعيد الحالي لا يختلف كثيرًا عن حادثة بالاكوت عام 2019، التي كادت تشعل حربًا بين الهند وباكستان بعد إسقاط طائرة ميغ-21 وأسر طيار هندي. الفرق الآن، أن العالم لم يعد مستعدًا لصراع كهذا، والقيادات السياسية في البلدين لم تعد تملك نفس الرغبة في كبح جماح الجيوش.

 

الهند تتحدث عن "تحقيق العدالة". باكستان ترد بـ"القصاص". لكن أين المجتمع الدولي؟ أين الأمم المتحدة؟ أين صانعي السلام الذين اعتادوا التوسط قبل انطلاق أول صاروخ؟

 

إذا لم يُسمع صوت العقل اليوم، فقد لا يُسمع غدًا إلا دويّ القنابل النووية.

الصراع بين الهند وباكستان خرج من دائرة الحرب الباردة، وبات في طريقه إلى حرب حارقة. والعالم مطالب الآن، لا بالغضب، بل بالفعل. قبل أن تُصبح كشمير مرادفًا لـ"هيروشيما ثانية"… أو أكثر.