من لبنان إلى السويداء... لا تُشعلوا ما تبقّى من الوطن
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

أنا مواطنة لبنانية، لكنني لا أكتب اليوم من لبنان فقط.
أكتب من ذاكرة مشتركة، من حدود بلا حواجز بين الجبل والجبل، من جراح نازفة لم تعد تفرّق بين جنسية ولهجة وراية.
أكتب إليكم، أهلنا في السويداء، لا وعظًا، ولا ادعاءً، بل رجاءً صادقًا، وصرخة حب وخوف: لا تُدمّروا وطنكم.
ما يجري في الجبل ليس شأنًا داخليًا، وليس تفصيلًا في نشرة أخبار.
ما يحدث هو لحظة خطيرة تقف فيها سوريا — بكل طوائفها ومدنها وتاريخها — على حافة انفجار لن يبقي ولن يذر.
السويداء لا تُختصر بطائفة... بل بثقل وطني
السويداء ليست رقمًا على الخريطة.
وليست أقلية محاصَرة كما يحاول البعض تصويرها.
هي صوت عاقل. تاريخ مقاوم. وأساس متين في تركيبة سوريا التي نعرفها.
ولهذا، فإن إشعال الفتنة فيها ليس مجرد حادث… بل ضرب متعمد لمركز التوازن.
وكل من يدفعكم نحو الصدام — مهما رفع شعارات الكرامة أودالحماية — يريد حرقكم أولًا… وحرق الوطن كله من خلالكم.
لا تكرروا خطأنا في لبنان
نحن نعرف الغضب.
عشنا الحرب الأهلية، والاغتيالات، والتفجيرات، والفتن الطائفية التي مزّقت قلب بيروت قبل أن تقتل أجساد أبنائها.
وفي كل مرة كنا نظن أن لنا "حقًا" في الردّ... كنا نخسر أكثر.
خسرنا بيروت. خسرنا الدولة. خسرنا الثقة.
وفي النهاية لم ينتصر أحد، إلا الموت.
لا تسمحوا بأن تصبحوا أنتم الوقود الجديد.
مَن يدفعكم للانفجار… لا يحبكم
عندما يُحلق شارب رجل بالقوة، أو تُهان طائفة برموزها، فالغضب مفهوم.
لكن ردّ الفعل ليس ما يُبني عليه وطن.
الكرامة لا تُستعاد بالفوضى.
والحماية لا تأتي من السماء بطائرات غريبة.
ولا من حسابات خارجية تعرف كيف تستثمر غضبكم، ثم تتخلّى عنكم في اللحظة التالية.
رسالتي من لبنان إلى سوريا
سوريا ليست جارة. سوريا شقيقة دم ووجع.
وما يحدث في السويداء اليوم، سيُصيبنا غدًا نحن في لبنان، في فلسطين، في كل بيت عربي لا يزال يؤمن بأن الكرامة لا تُبنى على الحطام.
أنتم آخر من ننتظر منه السقوط.
وآخر من نرضى أن يتحوّل إلى ساحة حرب.
فمن الجريمة أن تحترقوا من الداخل، وأنتم الذين عرفناكم دائمًا عقلاء النار لا وقودها.
كلمة أخيرة: لا تُعيدوا رسم الكارثة
السويداء ليست وحدها. سوريا ليست وحدها.
لكن الخطر حقيقي.
واللحظة لا تحتمل المجاملة.
إذا سقط العقل... سقط كل شيء.
وإذا استُدرجتم إلى معركة لا تشبهكم... فلن يُهزم العدو، بل ستهزمون أنفسكم بأنفسكم.
ومن لبنان، نقولها بكل ألم:
لا تُشعلوا ما تبقى من الوطن. لا تُغلقوا باب العودة. لا تدمّروا سوريا بأيديكم.