لقاء سري يقلب المشهد: هل قايض فيصل كرامي إرث عمّه بمكاسب سياسية ومالية؟»
هئبة التحرير خاص مراسل نيوز
أثار الحديث المتزايد عن لقاء سري جمع النائب فيصل كرامي بسمير جعجع موجة غضب واستياء غير مسبوقة في طرابلس وخارجها، ليس لأن اللقاء بحدّ ذاته يشكّل خرقاً سياسياً فحسب، بل لأنه يمسّ مباشرة واحدة من أكثر القضايا حساسية في الذاكرة اللبنانية، وهي قضية اغتيال دولة الرئيس الشهيد رشيد كرامي، عمّ فيصل ورمز المدينة السياسي والتاريخي. فالرجل الذي بنى حضوره العام على أنه الامتداد الطبيعي لإرث عمه، والحارس الأمين لذاكرة الدم، يجد نفسه اليوم في موقع الاتهام، وسط أسئلة محرجة تتعلّق بدوافع هذا التقارب وتوقيته وما إذا كان مرتبطاً بمكاسب سياسية ومالية تُطبخ في الكواليس.
الصدمة في الشارع الطرابلسي لا تتعلّق بالتحالفات المتبدّلة، فلبنان اعتاد على الانقلابات السياسية، بل تتعلّق بما يُنظر إليه على أنه قفز فوق جرح لم يندمل، وتجاوز لخط أحمر ظلّ لسنوات جزءاً من هوية آل كرامي السياسية. كيف يمكن لابن الأخ أن يجلس سراً مع من ارتبط اسمه، سياسياً وشعبياً، بجريمة اغتيال عمّه؟ وكيف يمكن تسويق هذه الخطوة على أنها براغماتية في حين يراها كثيرون تفريطاً بالذاكرة وتنازلاً عن قضية لم تكن يوماً بنداً قابلاً للمقايضة؟
الأسئلة تتكاثر، خصوصاً في ظل الحديث عن تحوّل مفاجئ في تموضع فيصل كرامي، بعد سنوات من الارتكاز الواضح على تحالفات محدّدة، ليبدأ فجأة البحث عن مظلّات جديدة، وضمانات مختلفة، في مرحلة إقليمية وداخلية شديدة الاضطراب. هل اللقاء السري جزء من صفقة أكبر؟ هل هناك وعود بمكاسب سياسية، أو دعم انتخابي، أو حتى فوائد مالية تُعيد تعويم حضور تراجع في الشارع؟ لا أجوبة واضحة حتى الآن، لكن الغموض نفسه بات مريباً، والصمت لم يعد مقنعاً.
في مدينة مثل طرابلس، لا تُقاس السياسة فقط بالمصالح، بل بالوفاء، والذاكرة، والرمزية. ومن يخطئ في قراءة مزاجها يدفع الثمن مضاعفاً. فالناس هناك قد تسامح الخصوم، لكنها نادراً ما تسامح من تعتبره تخلّى عن إرثه. اليوم، لم يعد النقاش يدور حول نجاح أو فشل خطوة سياسية، بل حول سؤال أعمق وأكثر قسوة: هل ما جرى هو مجرّد مناورة، أم بداية سقوط أخلاقي وسياسي لوريث حمل اسماً ثقيلاً، لكنه اختار أن يخفّف وزنه على حساب التاريخ؟
مهما كانت التبريرات، فإن اللقاء السري، إن صحّ، لن يمرّ كخبر عابر. إنه حدث كاشف، فتح الباب على مصراعيه أمام الشكوك، وأعاد طرح معادلة خطيرة في بلد أنهكته الصفقات: ماذا يبقى من السياسة حين تصبح الذاكرة عبئاً، والدم تفصيلاً، والمكاسب هي البوصلة الوحيدة؟