> الطائف خط أحمر: العبث بالدستور لعبٌ بالنار في بلدٍ على حافة الانفجار»
بقلم الباحث وكاتب سياسي عبد الحميد عجم
في لحظة إقليمية بالغة الخطورة، حيث تتداعى التوازنات وتُعاد صياغة خرائط النفوذ بالقوة والنار، يخرج من يروّج في لبنان، همسًا أو جهرًا، لفكرة المسّ باتفاق الطائف، وكأن هذا البلد يحتمل مغامرة دستورية جديدة، أو مقامرة سياسية إضافية على حافة الانهيار.
إن اتفاق الطائف ليس نصًا عابرًا في سجل التسويات اللبنانية، بل هو العمود الفقري للكيان اللبناني الحديث، والضمانة العربية–الدولية الوحيدة المتبقية لوجود لبنان كدولة، لا كساحة، وكوطن، لا كجبهة.
الطائف: آخر عقد شرعي بين لبنان والعالم
من يخطئ في قراءة الطائف، يخطئ في فهم طبيعة لبنان نفسه.
فالطائف لم يكن مجرد تسوية داخلية بين أطراف متحاربة، بل كان:
تعهدًا عربيًا بحماية لبنان
التزامًا دوليًا باستقراره
عقدًا سياسيًا أنهى الحرب الأهلية وأعاد إنتاج الدولة
وأي محاولة لـ “تكييفه” أو “تجميله” أو “تطويره بالقوة”، من خارج التوافق الوطني والرعاية العربية والدولية، ليست إصلاحًا… بل نسفٌ لأساس الشرعية اللبنانية.
من يريد إسقاط الطائف؟ ولماذا الآن؟
السؤال الجوهري ليس: هل يحتاج النظام اللبناني إلى تطوير؟
بل: من يريد فرض هذا التطوير؟ وبأي أدوات؟ وفي أي لحظة تاريخية؟
إن الدفع باتجاه المسّ بالطائف اليوم لا ينفصل عن:
اشتداد الصراع الإقليمي
اهتزاز مشاريع النفوذ في المنطقة
استخدام لبنان كورقة ضغط متقدمة
وهو ما يجعل أي طرح دستوري خارج الإجماع مغامرة خطيرة قد تفتح أبواب الجحيم.
السلاح خارج الدولة: أصل الأزمة لا عرضها
لا يمكن الحديث عن إصلاح النظام، فيما ميزان القوة مختلّ، والدولة مصادرة، والقرار السيادي مجتزأ.
الطائف قام على معادلة واضحة:
لا دولة بلا سيادة، ولا سيادة بلا حصرية السلاح
وكل محاولة للالتفاف على هذه الحقيقة، أو القفز فوقها بشعارات “الحماية” أو “الخصوصية”، ليست سوى تأجيل للانفجار، لا منعه.
الطائفة الشيعية ليست مشروع مواجهة
الأخطر في الخطاب التصعيدي الحالي، أنه يزجّ الطائفة الشيعية الكريمة في موقع الصدام مع الداخل والخارج، وكأنها كتلة واحدة في مشروع مواجهة مفتوحة.
وهذا ظلم مزدوج:
ظلم للطائفة
وظلم للبنان
فالطائفة الشيعية كانت، تاريخيًا، شريكة في التسويات الكبرى، لا وقودًا للحروب العبثية.
نبيه بري… آخر حارس للتوازن
في هذا المشهد المأزوم، يبرز دور رئيس مجلس النواب نبيه بري، ليس كسياسي تقليدي، بل كـ صمام أمان يحاول:
حماية الطائف
منع الانزلاق إلى المجهول
إبقاء خطوط التواصل مفتوحة مع العرب والمجتمع الدولي
وهو يدرك، أكثر من غيره، أن سقوط الطائف يعني سقوط الجميع، بلا استثناء.
رسالة إلى الداخل والخارج
لبنان لا يُدار بالغلبة، ولا يُحكم بالسلاح، ولا يُعاد بناؤه على أنقاض التوافق.
أي تساهل مع العبث بالطائف هو تخلٍّ عن آخر فرصة لإنقاذ لبنان.
الخلاصة: الطائف خط أحمر
الطائف ليس مقدسًا كنص، لكنه مقدس كضمانة.
والعبث به في زمن الانهيار هو جريمة سياسية موصوفة، يدفع ثمنها:
اللبنانيون جميعًا
والمنطقة من حولهم
لبنان لا يحتاج انقلابًا دستوريًا،
بل عودة صادقة إلى الدولة، وإلى الطائف، وإلى منطق العقل.
الطائف خط أحمر.
وما دونه… فوضى.