تأجيل الانتخابات النيابية شهرين أو ثلاثة… تسوية تُطبخ على نار هادئة
خاص مراسل نيوز
مع انعقاد الجلسة التشريعية الأخيرة وسقوط ما عُرف بـ«سلاح المقاطعة»، دخلت معركة تعديل قانون الانتخاب، ولا سيما ملف اقتراع المغتربين في الخارج، مرحلة الانكفاء شبه الكامل، بعدما تراجعت حظوظها إلى حدود الصفر، وفق توصيف مصادر نيابية مطّلعة.
فالجلسة التي عُقدت يوم الخميس الماضي، بحضور 77 نائباً، شكّلت ضربة قاضية للحملة التي رُفعت تحت عنوان «انتخاب المغتربين في دول الانتشار»، بعدما راهنت قوى سياسية على تعطيل التشريع كوسيلة ضغط. إلا أن النتائج جاءت معاكسة، ليس فقط على مستوى إسقاط المقاطعة، بل أيضاً على مستوى إضعاف المطلب الأساسي نفسه.
وتشير مصادر نيابية مستقلة إلى أن محاولة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع قيادة المقاطعة بشكل منفرد، واستثمارها سياسياً وانتخابياً، أثارت انزعاجاً واسعاً حتى داخل كتل حليفة، ما دفع عدداً من النواب إلى كسر قرار المقاطعة والمشاركة في الجلسة، الأمر الذي أفقد الحملة زخمها وصدقيتها.
وتضيف المصادر أن فشل المقاطعة انعكس مباشرة على موقف جعجع، الذي وسّع دائرة هجومه ليشمل الرؤساء الثلاثة، متحدثاً عن «بوادر ترويكا جديدة»، في خطوة اعتُبرت تعبيراً عن صدمة سياسية أكثر منها قراءة واقعية للمشهد.
الضربة الثانية جاءت من بعبدا، حين ردّ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون على رسالة جعجع، التي طالبه فيها بدعوة المجلس النيابي إلى الانعقاد خلال ثلاثة أيام لمناقشة مشروع تعديل قانون الانتخاب. موقف عون، الذي شدد فيه على الحياد وعلى أن النقاش يجب أن يتم داخل المجلس النيابي، أنهى عملياً أي رهان على تدخل رئاسي داعم للحملة.
وبحسب مصادر متابعة، فإن معركة تعديل قانون الانتخاب كانت قد دخلت طريقاً مسدوداً قبل أسابيع من الجلسة، لأسباب عدة، أبرزها تمسّك رئيس مجلس النواب نبيه بري بصلاحياته الدستورية، ورفضه تجاوز اللجان النيابية المختصة وفرض مناقشة التعديلات مباشرة في الهيئة العامة.
كما ساهم الطابع الشخصي للهجوم الذي شنه جعجع على بري في خلق نفور داخل صفوف المطالبين باقتراع المغتربين في الخارج، ولا سيما لدى اللقاء الديمقراطي، نظراً للعلاقة المتينة التي تربط رئيسه وليد جنبلاط برئيس المجلس.
في المقابل، تكشف مصادر نيابية مطّلعة أن النقاشات غير المعلنة بدأت تأخذ منحى مختلفاً، مع التداول الجدي في تسوية «ثلاثية» لقانون الانتخاب، يُتوقع أن تكون محور مفاوضات مطلع العام الجديد، وربما تمتد حتى شهري كانون الثاني وشباط.
وترتكز هذه التسوية، وفق المعطيات المتداولة، على ثلاثة عناوين أساسية:
إلغاء المقاعد الستة المخصصة للمغتربين والمنصوص عليها في القانون الحالي.
اقتراع المغتربين في الدوائر الانتخابية داخل لبنان وليس في الخارج.
تأجيل موعد الانتخابات النيابية لشهرين أو ثلاثة، بما يسمح بمشاركة المغتربين خلال فصل الصيف.
ورغم أن هذه التسوية لم تُعلن رسمياً بعد، إلا أن الحديث عنها يتصاعد في أروقة المجلس وخارجه. وتؤكد المصادر أن خيار التمديد للمجلس النيابي لولاية كاملة أو لسنوات إضافية لا يزال مستبعداً، إلا في حال طرأت تطورات أمنية كبرى تعيق إجراء الانتخابات.
في قراءة سياسية أوسع، تبدو هذه التسوية محاولة للخروج من المأزق بأقل الخسائر، رغم اعتراض القوات اللبنانية وعدد من النواب التغييريين الذين يعتبرون أن عدم الانتخاب في الخارج سيحرمهم من آلاف الأصوات التي حصدُوها في انتخابات 2022.
أما تكتل «لبنان القوي»، فيلتزم التمسك بالقانون النافذ من دون تعديل، من دون أن يكون متضرراً من التسوية المقترحة، في حين يبدي اللقاء الديمقراطي انفتاحاً على الحوار، مع قبوله الضمني بإلغاء المقاعد الستة.
في المقابل، يواصل الثنائي حركة أمل وحزب الله رفضه القاطع لانتخاب المغتربين في الخارج، مبرراً ذلك بغياب تكافؤ الفرص والضغوط التي يتعرض لها أنصاره في عدد من دول الانتشار.
هكذا، ومع سقوط المقاطعة وتبدل موازين القوى، ينتقل قانون الانتخاب من معركة كسر عظم إلى بازار تسويات، حيث تُدار اللعبة بهدوء خلف الكواليس، بانتظار ما سيحمله مطلع العام الجديد.