اختفاء ضابط سابق… واللغز أكبر من عملية خطف: من خطف أحمد شكر ولماذا؟

بقلم هئية التحرير خاص مراسل نيوز

اختفاء ضابط سابق… واللغز أكبر من عملية خطف: من خطف أحمد شكر ولماذا؟

ما زالت قضية اختطاف النقيب المتقاعد في قوى الأمن الداخلي أحمد شكر تتقدّم ببطء وسط ضباب كثيف يلفّ تفاصيلها، في واحدة من أكثر القضايا الأمنية حساسية وتعقيدًا في الآونة الأخيرة. ملفٌ بات اليوم في عهدة فرع المعلومات، بناءً على إشارة القضاء المختص، نظرًا لطبيعة العملية الدقيقة ولموقع شكر الوظيفي السابق، وما يحمله ذلك من أبعاد تتجاوز حادثة خطف عادية.

منذ اللحظة الأولى، فُتحت التحقيقات على مصراعيها أمام مجموعة واسعة من الفرضيات المتشابكة. في طليعتها، احتمال استدراج شكر إلى الداخل السوري على خلفية ملف مرتبط ببيع أراضٍ، قبل أن يُصار إلى اختطافه هناك. غير أن هذه الفرضية، على الرغم من تداولها على نطاق واسع، لا تزال عالقة في خانة الشك، في ظل غياب أي دليل قاطع يثبت انتقاله فعليًا إلى الأراضي السورية أو يحدد مسار تحرّكه بدقة.

وفي سياق موازٍ، خضعت الاتصالات التي سبقت عملية الخطف لتدقيق مكثّف، حيث تبيّن وجود اتصالين جريا بالتزامن مع توقيت الحادثة. إلا أن التوسّع في التحقيقات أفضى إلى استبعاد وجود صلة مباشرة بين الطرفين المعنيين وعملية الخطف، ما أعاد خلط الأوراق وأسقط أحد المسارات التي عُوّل عليها في البداية.

كذلك طُرحت فرضية ذات طابع ثأري، استنادًا إلى حادثة سابقة أودت بحياة أحد الأشخاص من آل فضل الله على يد قريب للمخطوف. إلا أن هذه النظرية لم تصمد طويلًا أمام تقاطع المعطيات الأمنية، التي استبعدت أي رابط فعلي بين الحادثتين، سواء لجهة التوقيت أو الدوافع أو حتى الأسلوب المعتمد.

في المقابل، تكثّف الأجهزة الأمنية عملها على مسارات داخلية وخارجية في آن واحد، مع تركيز لافت على حركة الدخول والخروج عبر مطار رفيق الحريري الدولي، فضلًا عن التدقيق في إمكان استخدام معابر برية أو بحرية، نظامية كانت أم غير نظامية، في محاولة لرسم خريطة تحرّك الجهات الضالعة أو تلك التي قد تكون وفّرت غطاءً لوجستيًا للعملية.

وفي هذا الإطار، برز خيط بالغ الأهمية يتمثل في الفيلا التي نُقل إليها شكر في محيط مدينة زحلة، والتي تبيّن أنها مستأجرة بمبلغ يقارب ثلاثة آلاف دولار شهريًا. معطى يفتح الباب أمام تساؤلات كبرى حول الجهة التي تقف خلف استئجارها، والغرض الحقيقي من استخدامها، وما إذا كانت جزءًا من مسرح عملية مُعدّة بعناية. ويوازي ذلك تركيز على السيارة التي استُخدمت في عملية النقل، والتي اختفت كليًا بعد تنفيذ الخطف، في مؤشر إضافي على مستوى عالٍ من التخطيط والتنفيذ الاحترافي.

على ضوء هذه المعطيات، طفت إلى السطح فرضية بالغة الخطورة: احتمال تورّط المخابرات الإسرائيلية في العملية. فرضية تستند إلى تشابه لافت في الأسلوب مع عمليات سابقة نُسبت إلى إسرائيل، أبرزها حادثة تصفية الصيرفي محمد سرور في بيت مري، حيث استُخدمت آنذاك تقنيات الخطف أو الاستدراج، يليها اختفاء سريع ومنظّم من دون ترك أي أثر. ومع ذلك، تبقى هذه الفرضية في إطار الترجيح لا الجزم، بانتظار أدلة حسّية قاطعة يمكن البناء عليها قضائيًا.

حتى اللحظة، لا يحمل المشهد الأمني إجابة نهائية، ولا يشي باتجاه حاسم للتحقيق. لكن المؤكد أن العمل لا يزال مفتوحًا على جميع الاحتمالات، من دون استبعاد أي فرضية، وسط تصعيد في الجهود التقنية والميدانية لكشف مصير النقيب المتقاعد أحمد شكر، وفك شيفرة واحدة من أكثر قضايا الخطف غموضًا وإرباكًا على الساحة اللبنانية.