ضبط الذهب وكشف الشبكات: هل بدأ لبنان فعليًا بتفكيك "جمهورية حزب الله"؟

بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

ضبط الذهب وكشف الشبكات: هل بدأ لبنان فعليًا بتفكيك "جمهورية حزب الله"؟

بيروت تشتعل بهدوء. المطار تحت المراقبة، والأنفاق المالية تُسد واحدة تلو الأخرى. حزب الله يترنح... بصمت.

 

في حدث يُعدّ مفصليًا، أفادت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن إدارة مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت قامت بعزل موظفين يُشتبه بانتمائهم إلى حزب الله، ضمن إجراءات غير مسبوقة لإحكام السيطرة على واحد من أهم المعابر السيادية في لبنان. ليست المسألة مجرد تحقيق داخلي، بل بداية لتحول استراتيجي في علاقة الدولة اللبنانية مع الحزب، الذي لطالما استثمر المطار كممر غير خاضع للمساءلة لنقل الأموال والأشخاص والرسائل.

 

التقرير يكشف أيضًا عن إحباط محاولة تهريب أكثر من 22 كيلوغرامًا من الذهب كانت موجهة للحزب، في ضربة توصف بأنها "مالية – لوجستية" أصابت بنيته في مقتل. وقد ترافق ذلك مع تعليق الرحلات القادمة من إيران منذ فبراير الماضي، وتركيب أنظمة مراقبة متقدمة تعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي، ما يفتح الباب أمام رقابة غير مسبوقة على ما كان يُعتبر حتى الأمس القريب "منطقة أمنية رمادية" خارجة عن سيطرة الدولة.

 

الخطير في هذه التطورات ليس فقط في تفاصيلها، بل في سياقها. فالمطار كان تاريخيًا أحد "المواقع المحصّنة" ضمن خارطة نفوذ حزب الله. وقد وُجّهت اتهامات متكررة للسلطات اللبنانية بغضّ الطرف عن نشاطات تهريب أو إعفاءات من التفتيش تخصّ جهات إيرانية ولبنانية حليفة. اليوم، ومع هذه الإجراءات الجديدة، تبدو الأمور وكأنها تتغير للمرة الأولى بغطاء دولي واضح.

 

مسؤولون أمنيون لبنانيون أكدوا أن "التفتيش لم يعد يُستثنى منه أحد"، وأن القرارات باتت تُتخذ مركزيًا من قبل قيادة تكنوقراطية تحظى بدعم غربي واضح.

 

وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي رفيع ضمن اللجنة الدولية المعنية بوقف إطلاق النار، قوله:

 

> "لقد مرت سبعة أشهر فقط، ووصلنا إلى مكان لم أكن أعتقد أنه ممكن تحقيقه في نوفمبر الماضي."

 

انهار شبكة التهريب: من دمشق إلى بيروت

 

أحد أكثر جوانب التقرير إثارة، هو ما ورد عن فقدان حزب الله لطرق تهريب رئيسية كانت تمر عبر سوريا، وذلك بعد تراجع النظام السوري ميدانيًا في ديسمبر. وهو ما يجعل من مطار بيروت — إن بقي تحت السيطرة الرسمية — الحلقة الأخيرة المتبقية في سلسلة الدعم اللوجستي للحزب.

 

هنا، تكمن الخطورة والفرصة في آن:

فلبنان اليوم أمام مفترق طريق حقيقي: إما أن يواصل تفكيك هذه الشبكة، أو أن ينكفئ تحت ضغط المواجهة المرتقبة.

 

التقرير لم يُخفِ نغمة التفاؤل القادمة من العواصم الغربية. إذ عبّر مسؤولون أميركيون وإسرائيليون عن "رضاهم الحذر" تجاه ما سموه "التحول نحو دولة أكثر مركزية وضعف متزايد في هيمنة حزب الله على المؤسسات". لكن في المقابل، لم يصدر عن الحزب سوى تعليقات خافتة تشير إلى "صعوبات لوجستية جديدة في المطار".

 

فهل نحن أمام مرحلة تحجيم فعلي لقدرة حزب الله على استخدام الدولة كأداة؟

وهل ما يحدث اليوم في المطار هو مقدمة لحملة أوسع تمتد إلى المرفأ، والوزارات، وحتى شبكات الاقتصاد الموازي؟

 

 

---

 

لبنان عند نقطة اللاعودة؟

 

التحركات الأخيرة تطرح أسئلة كبرى لا بد من التوقف عندها:

 

هل بدأ لبنان فعلًا بفك الارتباط البنيوي بين حزب الله والدولة؟

 

وهل يُمكن تحييد الحزب أمنيًا واقتصاديًا دون أن يُترجم ذلك إلى مواجهة مفتوحة؟

 

وماذا لو بدأ الحزب فعليًا بخسارة مفاصل "السلطة العميقة"... هل يستسلم أم يعيد التموضع بطريقة أكثر قسوة؟

 

 

اللبنانيون يراقبون، والعالم يُقيّم.

لكن المؤكد أن شيئًا كبيرًا بدأ...

وما بعد مطار بيروت لن يكون كما قبله.