الرياض تدقّ جرس الإنذار في جنوب آسيا: "لا تُطفئوا النار بالبارود"
بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

في وقتٍ كانت أصوات المدافع تتصاعد على خطوط التماس بين الهند وباكستان، وبينما كانت "هاشتاغات" الجهاد تتطاير في الفضاء الإلكتروني، حاملةً شعارات الحماسة والدم، كانت الرياض تُحزم الحقائب وتُرسل مبعوثها إلى العاصمتين المتنازعتين، في محاولةٍ لتطويق نارٍ تتغذّى على الدين، وتشتعل على حدود السياسة.
عادل الجبير، وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، لم يكن زائراً عادياً للهند أو باكستان.
في 8 و9 ايار ، حمل في جيبه تفويضاً سياسياً رفيعاً، وفي قلبه هاجسٌ يخصّ أمن المنطقة برمّتها. جلس في إسلام آباد مع شهباز شريف، ثم طار إلى نيودلهي ليلتقي سوبرامانيام جايشانكار، وزير الخارجية الهندي. وبين اللقاءين، كان السؤال الكبير يتردّد في أروقة الصحافة:
هل تتحوّل الرياض إلى جدار النار الأخير بين نيودلهي وإسلام آباد؟
لكن ما يُثير القلق ليس مجرد صدام نووي محتمل بين عملاقين عسكريين، بل ما هو أخطر: أن يتحوّل هذا الصراع الجيوسياسي إلى "حرب دينية مفتوحة" بتغذيةٍ من دعاة الكراهية، ومنصّات التهييج، والذين يصوّرون الصراع كأنه "حرب مقدسة" على كل مسلم أن يشترك فيها.
في هذا المشهد المشتعل، يخرج صوتٌ مختلف، صوت الملا عبد السلام ضعيف، أحد رموز "طالبان" السابقين، ليقول بالفم الملآن: "لا تُحرقوا البشتون بنار مصالح لا تعنيهم. هذه حرب سياسية لا علاقة لها بالجهاد."
تصريحٌ لا يُستهان به، صادر عن رجلٍ قضى سنوات في غوانتانامو، ورسمته الأجهزة الغربية كأيقونة من رموز العنف الديني. لكنه اليوم، وبعد أن قرأ النار جيداً، يدق ناقوساً آخر:
"احذروا من استغلال الدين، لا تسيروا خلف هتاف (يا خيل الله اركبي)، فهناك من يريد منكم أن تُقتلوا لكي تنتصر حساباته السياسية."
بين هذا الصوت العاقل، والمشهد المجنون على "منصات الفتنة"، تقف السعودية في المنتصف، تحاول بحذر وحنكة أن تُطفئ الحريق قبل أن يصل إلى أعشاش الشعوب.
هل يمكن أن تنجح المملكة؟
هذا السؤال لا يجب أن يُوجّه فقط للرياض، بل لكل العواصم التي تراقب المشهد من بعيد، وللجماهير العربية التي قد تُجرّ إلى مستنقعٍ لا ناقة لها فيه ولا جمل.
الهند وباكستان تملكان سلاحاً نووياً، لكنهما أيضًا تملكان عشرات ملايين المسلمين والهندوس الذين لا يريدون أن يموتوا من أجل خرافات المتطرفين.
والمملكة، في هذا السياق، لا تُنقذ فقط علاقاتها الثنائية، بل تُنقذ الرواية الإسلامية من أن تُختطف مجدداً على يد دُعاة الفناء.
لقد حان وقت الحقيقة:
إما أن نختار "الدبلوماسية كجهاد عاقل"، أو نسير خلف "جهاد الوهم" إلى مقابر التاريخ.