اللبنانيون صوّتوا… بصمتهم
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

أظهرت نتائج المرحلة الثالثة من الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان حقيقة لا يمكن تجاهلها: تفوّق واضح لتحالف الأحزاب التقليدية، وتراجع ملموس لقوى المجتمع المدني، خصوصًا في المدن والبلدات الرئيسية. لكن ما يلفت أكثر من الأرقام، هو ما خلفها من دلالات عميقة، وربما محبطة.
نسبة الاقتراع في المدن الكبرى لم تتجاوز 25%. ربع الناخبين فقط قرروا أن يُدْلوا بأصواتهم. أما الثلاثة أرباع الباقون، فقد اختاروا الصمت، أو ربما العزوف، أو التواكل، تاركين صناديق الاقتراع باردة، ومجال النفوذ مفتوحًا لمن يملك الحضور والتنظيم والدعم، حتى لو كان محل انتقادهم اليومي.
لقد قال اللبنانيون كلمتهم، لكن ليس من خلال أوراق الاقتراع. بل قالوها من خلال الغياب. غياب يكشف عن استياء، لكنه لا يُترجم إلى فعل. اعتراضٌ لا يحمل طاقة التغيير. وكأن الناس تعبوا حتى من الأمل، فاختاروا الانسحاب الصامت، مع الاستمرار في الشكوى من الواقع، دون محاولة جدية لتغييره.
“نعم للأحزاب… لا للمجتمع المدني”، هكذا تبدو النتيجة حين تُقرأ الأرقام ببرودها، دون سياق المشاركة. ولكن هل فعلاً الناس اختاروا الأحزاب عن اقتناع؟ أم أن من حضر إلى صناديق الاقتراع هم جمهور الأحزاب المعتاد، فيما اكتفى المعترضون بالفرجة والتذمر؟
لا يمكن إنكار أن قوى المجتمع المدني كانت قد أُعطيت فرصة تاريخية بعد انتفاضة 17 تشرين، وتُرجمت في صناديق الاقتراع النيابية عام 2022. دخل عددٌ من النواب “التغييريين” إلى البرلمان، وعلّقت شريحة واسعة من اللبنانيين آمالها عليهم. لكن سرعان ما تشرذم هؤلاء، وتنافسوا على الزعامة، وغرق البعض في الحسابات الشخصية والمصالح الضيقة. النتيجة؟ فقدان الثقة من جديد. فأصبح المجتمع المدني في نظر كثيرين “غير نافع”، أو عاجزًا عن بلورة مشروع موحّد وفاعل.
النتيجة التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة ليست فقط في عدد المقاعد، بل في هذا المزاج العام الذي يختار التراجع بدل المواجهة، واللامبالاة بدل المبادرة. وفي النهاية، لا يمكن لمن لا يصوّت أن يُحاسب، ولا لمن لم يختر أن يُطالب.
الاستحقاق الانتخابي كشف حقيقة لا بدّ من مواجهتها بجرأة: المشكلة ليست فقط في المنظومة، بل أيضًا في القاعدة الاجتماعية التي إما تُبررها، أو تنسحب أمامها. كما أن المعارضة، حين لا ترتقي إلى مستوى البديل، تسهم بنفسها في تعزيز نفوذ المنظومة القائمة.
الصمت الانتخابي لا يُسقط الأحزاب، بل يُمدّد عمرها.