بعد سحب لقاح "أسترازينكا" من الأسواق: كيف يمكن قراءة هذه الخطوة علميّاً؟

بعد سحب لقاح "أسترازينكا" من الأسواق: كيف يمكن قراءة هذه الخطوة علميّاً؟

بعد اعلان أسترازينكا هذا الأسبوع بقرار سحب لقاحها المضاد لـكوفيد-19 من جميع أنحاء العالم بسبب "فائض الـلقاحات المحدّثة المتاحة" منذ تفشّي الجائحة، بعد إنتاج أكثر من ثلاثة مليارات جرعة منه. كما ذكرت أنها ستشرع في سحب تراخيص تسويق اللقاح "فاكسيفريا" داخل أوروبا.

 

هذه الخطوة جاءت بعد أيام من اعتراف الشركة في وثائق مقدمة إلى المحكمة العليا بأنّ اللقاح يسبّب آثاراً جانبية مثل جلطات الدم وانخفاض عدد الصفائح الدموية.

 

لكن بعد اعتراف شركة أسترازينكا بالآثار الجانبية النادرة، كيف يمكن قراءة هذه الخطوة؟

 

يشرح الأستاذ في علم الوبائيات وطبّ المجتمع في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور سليم أديب ألّا خطر مباشر للآثار السلبية المرتبطة بهذا الاعتراف، لأن شركة هندية كانت تعمل بموجب ترخيص على إنتاجه. يمكن لشركة أسترازينكا أن تجادل بمسألة الشفافية المرتبطة بنتائج المراقبة، وقد يكون خطأ فني قد حصل خلال عملية الإنتاج في الهند. وعليه، قد تواجه الشركة الهندية عواقب قانونية إذا تبيّن أنّ المشكلة مرتبطة بالإنتاج المحلي.

 

علمياً وطبياً، نعرف جيداً أنّ كلّ دواء أو لقاح لديه #آثار جانبية، فمتى تُشكّل هذه الآثار خطراً؟ ومتى تتّخذ الشركة قراراً في وقف هذا الدواء أو اللقاح؟ هل من خطوط حمراء؟

 

تخضع كلّ الأدوية واللقاحات إلى نظام إجباري من خلال التجارب السريرية المكوّنة من 3 مراحل. ويعدّد أديب مسار عملية تطوير اللقاح بدءاً من المرحلة الأولى حيث يتمّ اختبار اللقاح لخصائصه الصيدلانية وتحديد الجرعة الآمنة مع عشرات المتطوّعين.

 

إذا تمّ تحديد أنّ المنتج آمن بجرعة معينة، يتمّ اختباره على حوالي مئة شخص لم يسبق لهم أن أصيبوا بالفيروس المستهدف لقياس فعاليته وقياس الآثار الجانبية. وفي هذه المرحلة يجب أن يعطي اللقاح ردّ فعل مناعيّاً كافياً لحماية المشاركين لتحديد فعاليته ومأمونيته.

 

 

بعد التأكد من فعالية اللقاح وسلامته، ننتقل إلى المرحلة الثالثة من التجارب لنثبت أنّ الردّ الإيجابي للقاح لا يعود إلى رد فعل نفسي بل إلى المنتج الجديد نفسه. ولمعرفة ذلك، يقسّم المشاركون إلى مجموعتين، الأولى تتلقى اللقاح الجديد والثاني تتلقى لقاحاً وهمياً "بلاسيبو". وفي حال أظهرت المجموعة التي تلقّت اللقاح استجابة مناعية أفضل من المجموعة الأخرى، عندها يحصل على موافقة تسويقه.

 

تحدث كل هذه الخطوات تحت إشراف طبي صارم، مع اختيار المشاركين المثاليين الذين لا يعانون من مشاكل صحية. مع الوقت، بات واضحاً أن في هذه الظروف، قد لا تظهر الآثار الجانبية النادرة أبدًا. تخيّل حدثًا بمعدل حدوث 1/100,000، فلن يكون من الممكن ملاحظة هذا الحدث إلّا بعد استخدام أكثر من 100 ألف جرعة.

واستجابة لهذه الحالة، أُضيف قبل 20 عاماً بند "#المراقبة بعد التسويق" ما يعني إبقاء المراقبة على المنتج بعد بيعه في الأسواق. وفي حال تمّ الإبلاغ عن حالات خطيرة بمستوى معين أو يفوق الدرجة المحددة، يصدر قرار في سحب المنتج من السوق.

 

ولكن تاريخياً هل تمّ توقيف لقاح بعد الموافقة عليه نتيجة الآثار الجانبية أو أضراره على الأشخاص؟

 

يسترجع أديب حادثة العام 1998، حين صدرت أول نسخة من لقاح فيروس "الروتا" اسمه "Rotashield" بعد حصوله على موافقة تسويقه. ويتسبب هذا الفيروس بالإسهال عند الرضّع والأطفال. ولكن بعد سنة فقط من إنتاجه، تمّ #سحب اللقاح من الأسواق بعد أن تبيّن أنّه تسبّب في حالات نادرة بانسداد في الأمعاء أصابت 1 على 10 آلاف طفل إلى 1 على 30 ألف طفل.

وفي العام 2009، اشترت شركة "فايزر" الشركة المصنّعة لهذا اللقاح واسمها Wyeth بعد إفلاسها.

 

وبعد الكشف عن هذه المشكلة في اللقاح، عملت شركات أخرى كما يوضح أديب على تطوير لقاح جديد حيث انخفضت نسبة الآثار الجانبية النادرة إلى 1 على 90 ألف طفل. وانطلاقاً من هذه الحالة، أصبحت المراقبة بعد التسويق إلزامية لمختلف المنتجات، حتّى بعد حصولها على موافقة بيعها.

 

 

تواجه شركة "أسترازينكا" دعاوى قضائية من أكثر من 50 من الضحايا وأقاربهم في قضية أمام المحكمة العليا في بريطانيا يطالبون فيها بتعويضات تقدّر قيمتها بما يصل إلى 100 مليون جينه إسترليني. في حين تمّ الربط بين اللقاح وحوالى 81 حالة وفاة في بريطانيا بالإضافة إلى مئات الإصابات الخطيرة.

 

وفي هذا الصدد، برز اسم جيمي سكوت كأول متضرّر نتيجة اللقاح ورفع دعوى قضائية ضدّ شركة "أسترازينكا" بعد إصابة دائمة في الدماغ بسبب تعرّضه لجلطة دموية ونزيف في الدماغ منعه من العمل منذ نيسان 2021، أي بعد حصوله على اللقاح.

 

وبين اعتراف الشركة خلال وثيقة مقدّمة إلى المحكمة العليا وقرار سحب اللقاحات من الأسواق، أصرّت شركة "أسترازينكا" أنّ قرار سحب اللقاح لا يرتبط بالدعوى القضائية أو اعترافها بأنّه يمكن أن يسبّب آثاراً جانبية خطيرة. وقالت إنّ "التوقيت كان محض صدفة".

 

لنعود إلى السؤال المشروع، هل كان هناك سرعة في تصنيع اللقاح؟ وهل يمكن مراجعة البيانات حول اللقاحات والخروج باعتراف صريح حول ما له وما عليه؟

يعترف الأستاذ في علم الوبائيات وطبّ المجتمع في الجامعة الأميركية في بيروت أنّ التطور التكنولوجي ساهم في تغيير إيقاع انتاج اللقاحات الجديدة، وما كان يستغرق سابقاً حوالى 10 سنوات بات يمكن إنجازه اليوم خلال سنة واحدة.

 

التجارب التي تتطلّب مراقبة الحيوانات والإنسان لسنوات كما كان يحصل في الماضي بات يمكن تقييمها من خلال استخدام الطرق المناعية immunological وعبر الـPCR. اليوم أصبح يمكن إنجاز كلّ العمل في غضون أشهر وأسابيع.

 

على سبيل المثال، يتمّ تطوير لقاح الأنفلونزا قبل 5 أشهر من توفّره في السوق خلال فصل الخريف من كلّ سنة. ولكن خلال الجائحة، يجب القيام بالأمور بطريقة أسرع وليست دائماً بالطريقة الأفضل. ولهذا السبب كانت أولى لقاحات كوفيد_19 الصينية والروسية أقلّ فعالية من اللقاحات الأخرى التي استغرقت أشهراً إضافية والتي أنتجتها شركات عالمية.

 

 

ومع ذلك، يقول أديب إنه "لا يمكن إنكار أنّ الاستخدام الواسع النطاق للقاح كوفيد_19 قد ساعد على تعزيز المناعة الجماعية ووقف انتقال العدوى لسنوات عدة.

والآن، من المهم أن نتذكر أنه تمّ استخدام 11 مليار جرعة من اللقاحات المختلفة في العالم، بالإضافة إلى 3 مليارات في الصين وحدها. تخيل أنّ حوادث الآثار السلبية الجانبية نادرة للغاية، قد تكون 1 لكلّ 1000000، ما يعني أنه يجب أن نتوقّع بضعة آلاف من هذه الحالات.

 

ما يطمئن وفق أديب أنّ نظام المراقبة بعد التسويق موجود لاكتشاف هذه الحالات والمساعدة في منعها في المنتجات المستقبلية. وعليه، ستظلّ الأحداث السلبية الضارة موجودة دائمًا، وسيعمل نظام المراقبة بعد التسويق على اكتشافها واستخدامها لتحسين التصنيع.

 

في المقابل، سنستمرّ كما يوضح أديب في صنع واستخدام اللقاحات لحماية أطفالنا من أمراض رهيبة مثل شلل الأطفال والدفتيريا (الخانوق) أو الكزاز.

من ناحية أخرى، يجب أن نكون يقظين، الآن يمكن تحضير اللقاحات بسرعة، ما يشجّع الشركات على إنتاج المزيد والمزيد من اللقاحات للأمراض التي قد لا تحمل أهمية وبائية تبرّر التكلفة والمخاطر الممكنة وإن كانت نادرة.

 

هذا ما حدث في لبنان مع إضافة لقاحين مؤخّراً في أقلّ من عشر سنوات، دون وجود مبررات وبائية لهذا القرار. وهذه مشكلة أكثر خطورة من وقوع حدث سلبيّ غير متوقّع بين الحين والآخر