نتنياهو يرد على الاعتراف الدولي بدولة فلسطين باحتلال غزة
بقلم الباحث و الكاتب السياسي عبد الحميد عجم

منذ أن أعلنت 147 دولة من أصل 193 عضواً في الأمم المتحدة اعترافها بدولة فلسطين ككيان سيادي، دخل الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي مرحلة جديدة. هذه الخطوة، التي قادتها موجة دبلوماسية عربية وإسلامية وأوروبية كان أبرزها الموقف السعودي الداعم للمبادرة، مثّلت ضربة استراتيجية لحكومة بنيامين نتنياهو. وردّ تل أبيب جاء عسكرياً: مشروع إعادة احتلال غزة، وكأن نتنياهو يقول للعالم إن أي اعتراف بفلسطين سيُجابَه بالقوة الميدانية لا بالحلول السياسية.
لكن هذا الرد العسكري، الذي يقدَّم في إسرائيل على أنه "ضرورة أمنية"، لا يمكن فصله عن مأزق سياسي داخلي وإقليمي.
مأزق نتنياهو الداخلي: حرب تُخفي أزمة
داخل إسرائيل، تتصاعد المظاهرات في تل أبيب ومدن أخرى ضد استمرار الحرب في غزة. آلاف الإسرائيليين يطالبون بإبرام صفقة تبادل أسرى مع حماس والجهاد الإسلامي لإعادة الجنود والمدنيين المحتجزين منذ هجوم 7 أكتوبر 2023. ورغم أن هذه القضية تمثل أولوية للرأي العام، فإن نتنياهو يرفض الاستجابة، مفضلاً استمرار العمليات العسكرية.
يرى كثيرون في المعارضة الإسرائيلية أن رئيس الوزراء يوظف الحرب للبقاء السياسي، تماماً كما اتُّهم سابقاً باستغلال التوتر مع إيران وحزب الله لتأجيل محاكماته في قضايا الفساد. وهنا يظهر التشابه مع منطق حزب الله في لبنان: قيادة تدفع شعبها من حرب إلى حرب، وتُخضع القرار الوطني لحسابات ضيقة للسلطة. فإذا كان الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم يلوّح بحرب أهلية بعد قرارات حكومية بنزع السلاح، فإن نتنياهو بدوره يُخضع الإسرائيليين لحرب مفتوحة في غزة، من دون أفق سياسي.
الثمن الإنساني والاقتصادي
على الجانب الآخر من الحدود، الثمن الإنساني كارثي. وفق تقارير الأمم المتحدة (OCHA) حتى أغسطس 2025، تجاوز عدد ضحايا الحرب في غزة 45 ألف قتيل و80 ألف جريح، فيما شُرّد أكثر من 1.7 مليون إنسان من منازلهم. الأحياء المدمرة، وانهيار البنية الصحية والتعليمية، جعلت القطاع منطقة منكوبة بالكامل.
أما في الداخل الإسرائيلي، فقدرت وزارة المالية أن الحرب كلّفت الاقتصاد أكثر من 70 مليار دولار خلال عام واحد، مع تراجع النمو إلى 0.5%، وانسحاب شركات استثمارية من السوق الإسرائيلي. حتى حليف إسرائيل الأكبر، الولايات المتحدة، أبدى قلقاً من استمرار الحرب بلا خطة سياسية، إذ صرّح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في يوليو 2025 قائلاً: "إسرائيل لن تحقق أمنها من خلال القوة العسكرية وحدها، بل عبر حل سياسي يعترف بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة."
الرد على الاعتراف بفلسطين: حرب استنزاف
الاعتراف الدولي المتزايد بفلسطين، وعلى رأسه الموقف السعودي الداعم لمبادرة الدولة الفلسطينية، لم يكن مجرد حدث دبلوماسي، بل نقطة تحوّل في موازين القوى. نتنياهو أدرك أن إسرائيل تخسر دعم شركاء غربيين تقليديين مثل فرنسا وكندا وبريطانيا، الذين لوّحوا بالاعتراف بفلسطين كخطوة عقابية ضد استمرار العمليات في غزة. ومع تراجع الغطاء السياسي الدولي، لجأ نتنياهو إلى الخيار العسكري في غزة كوسيلة "انتقامية"، لإثبات أن إسرائيل قادرة على فرض واقع جديد على الأرض، حتى لو خسر شرعيته في الخارج.
ختام: نتنياهو بين الفشل الداخلي والعزلة الدولية
في نهاية المطاف، يبدو أن نتنياهو يرد على الاعتراف الدولي بدولة فلسطين عبر احتلال غزة، ليس لأنه حلّ استراتيجي واقعي، بل لأنه الورقة الأخيرة التي يملكها للهروب من أزماته الداخلية. لكن هذه الورقة تحرق الداخل الإسرائيلي، وتُحوّل غزة إلى مقبرة إنسانية، وتضع إسرائيل في مواجهة عزلة دولية متزايدة.
الفارق بين نتنياهو وخصومه الإقليميين يتلاشى: كلاهما يقود شعبه من حرب إلى أخرى، بينما يدفع المدنيون الثمن. ومع ذلك، فإن الاعتراف المتزايد بفلسطين، والضغط الشعبي والدولي، يجعل من الواضح أن الاحتلال مهما طال، لن يغيّر الحقيقة الأساسية: أن فلسطين باتت واقعاً سياسياً معترفاً به في العالم، وأن غزة ليست ساحة انتقامية لنتنياهو، بل جزء من هذا الكيان الناشئ.