الشباب يحتاجون إلى فهم أعمق للذكاء التوليدي قبل توليهم التدريب عليه
ربما يملي الحس البديهي أن الجيل الشاب المولع بالتكنولوجيا الرقمية والمتمرس باستخدامها، بما في ذلك الذكاء التوليدي، سيكون فاعلًا في تدريب الموظفين الأكبر سنًا على استخدام هذه الأدوات القوية بفاعلية.
ومع ذلك، لا تعني تلك البداهة بالضرورة أن يكون الشباب فاعلين في تدريب زملائهم الأكبر سنًا على الذكاء التوليدي، بحسب دراسة جديدة.
تحدّي بداهات عن الأجيال الشابة
تتحدّى دراسة حديثة أجرتها جامعة "هارفرد" للأعمال و"معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" وغيرهما، الافتراض القائل بأن الشباب المهنيين يمكنهم تدريب زملائهم الأكبر سنًا بشكل فاعل على استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي GenAI.
إذ توصلت الدراسة إلى أن المهنيين الأصغر سناً غالبًا ما يقترحون طرقًا غير مناسبة لتخفيف المخاطر بسبب نقص خبرتهم الفنية ومحدودية تجربتهم.
في شهري تموز (يوليو) و آب (أغسطس) 2023، أجرى الباحثون استطلاعًا لـ 78 مستشارًا شابًا في شركة "بوسطن كونسلتينغ" Boston Consulting ممن تعاملوا مع "شات جي بي تي 4" GPT-4 كجزء من تلك الدراسة التي ركّزت على تخفيف المخاطر عند استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي. وقد اقترح المستشارون الشباب استراتيجيات لتخفيف المخاطر، لكن الباحثين وجدوا أن غالبيتها العظمى تتعارض مع توصيات خبراء الذكاء الاصطناعي التوليدي.
يجب التعمق في التقنيات الجديدة
أورد الباحثون في دراستهم أن المقابلات كشفت عن نتيجتين تتعارضان مع الأفكار السائدة قبلها. إذ تعارضت التكتيكات التي أوصى بها الأصغر سناً للتخفيف من مخاوف كبار السن مع تلك التي أوصى بها الخبراء في الذكاء التوليدي. وبالتالي، تبيّن أن الشباب قد لا يشكّلون أفضل مصدر للخبرة في الاستخدام الفعّال لتلك التكنولوجيا الحديثة.
وفي هذا السياق وخلال مقابلته مع "النهار العربي" لمناقشة نتائج الدراسة، يلاحظ الدكتور علاء عبد الرزاق، أستاذ مساعد في جامعة "وايل كورنيل قطر"، "إن التكتيكات التي أوصى بها المستشارون الشباب لمعالجة مخاوف زملائهم الأكثر خبرة حول الذكاء الاصطناعي التوليدي، تختلف عن تلك التي يقترحها الخبراء في هذا المجال".
ويضيف عبد الرزاق، "يُبرز هذا التناقض حقيقة مهمّة، هي أن أولئك الشباب على الرغم من تجربتهم العملية مع التكنولوجيا، قد لا يشكّلون المصدر الأكثر موثوقية لتقديم المساعدة لزملائهم الأكثر خبرة حول الاستخدام الفعّال لهذه التكنولوجيا".
ويشرح، بأنّ هذه النتيجة تشير إلى وجود فجوة بين المعرفة العامة الناتجة من الاستخدام البسيط والفهم العميق، ما يدل إلى أن الخبرة في الذكاء التوليدي تتطلّب أكثر من مجرد خبرة عامة، وتحتاج فهماً نظريًا ودقيقًا، الذي يمتلكه عادةً الخبراء في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي".
وخلُص عبد الرزاق إلى أن "هذه النتائج تؤكّد ضرورة التدريب المنظم والتعليم الرسمي للذكاء التوليدي للمستشارين الشباب والأكبر سنًا. إن الاكتفاء بالاعتماد على أفكار تجريبية للأصغر سناً قد يؤدي إلى تبنٍّ غير مثالي للتكنولوجيا. لذا، فإن الاستفادة من المعرفة الخبيرة وإنشاء برامج تدريب شاملة قد يسد الفجوة بين الاستخدام العملي والفهم النظري".
مشاكل شبابية متنوعة
في تلك الدراسة، تمثّلت مشاكل المهنيين الشباب ثلاثة محاور بارزة:
01-الافتقار إلى الفهم العميق للتكنولوجيا.
02-التركيز على تغيير الروتين البشري بدلاً من التفكير في الصورة الواسعة لتصميم المنظومة التقنية.
03-التركيز على إجراءات خاصة بما يشتغلون عليه، بدلاً من التركيز على البيئة أو المنظومة التقنية.
وقد أشار الدكتور عبد الرزاق إلى أن مكانة الأجيال المهنية الأكبر سناً ليست العائق أمام تلقّيهم التدريب من زملائهم الشباب.
واستطرد: "لا يعني ذلك أن توصيات الشباب مغلوطة بالضرورة. إذا تفحصنا الإجابات في ملحق الدراسة، فسنرى أن الشباب يملكون فهمًا أساسيًا للمزالق المحتملة للذكاء الاصطناعي التوليدي. ومع ذلك، فإن توصياتهم لتخفيف المخاطر ليست منهجية بما فيه الكفاية أو تعتمد بشكل كبير على الحكم البشري الشخصي.
ويكمل: "هذا التغيّر في المنظور يشير إلى أن مقاومة المهنيين الأكثر خبرة قد تكون مبنية على اعتبارات عملية ولا ترتبط بالمرتبة أو الأنا وحدها. إذ يولي هؤلاء اهتمامهم أساساً إلى أداء الذكاء الاصطناعي لجهة الدقة وإمكانية التفسير والأخذ بسياق البيانات وغيرها".
تحدّيات الذكاء الاصطناعي التوليدي
وتأتي الدراسة في وقت تتصارع فيه المؤسسات مع الفرص والتحدّيات التي تفرضها أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية الحالية.
وتؤكّد الدراسة على عدم الاكتفاء بملاحظة عدم كفاءة الشباب في تدريب زملائهم الأكبر سناً أو ضيق الرؤية لديهم بشأن الذكاء التوليدي، بل الاهتمام بإضافة إلى مدخلات الخبراء، والصورة العامة لحوكمة تلك التقنية، والعمل على تحسين المهارات في كل ما يتعلق بعمل المؤسسات.
ويضيف عبد الرزاق، "من المفيد معالجة هذه المخاوف المحدّدة مباشرةً، ربما من خلال دراسات الحالة، والضمانات المدعومة بالبيانات، وإظهار ميزات التفسير وغيرها. وقد تحتاج المؤسسات إلى إعادة تقييم استراتيجياتها في تنفيذ التقنيات الجديدة، وضمان التركيز على جودة وموثوقية المخرجات. من خلال معالجة المخاوف العملية التي حدّدها الأصغر سناً، يمكن للشركات تسهيل التبني السلس والاستفادة المثلى من أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي".
ويختم: "تدعو هذه النتائج إلى فهم دقيق لنقل المعرفة في مكان العمل الذي يقوده الذكاء الاصطناعي. لا يتعلق الأمر بمجرد تجاوز "فجوة المكانة" بين الأكبر والأصغر في السن، بل الاهتمام بمعالجة المخاوف العملية بشأن فعالية التكنولوجيا".
ويوصي الباحثون في دراستهم بألّا يفترض صنّاع القرار في الشركات أن الشباب بطبيعتهم أفضل في استخدام أو حتى تعليم الذكاء الاصطناعي التوليدي. وبدلاً من ذلك، يتعيّن على الشركات تدريب الموظفين الصغار والكبار على المخاطر والمتطلبات المحدّدة لهذه التقنيات