"سعد الحريري: زعيم هجر شعبه... والعودة ليست غفراناً"

خاص مراسل نيوز

"سعد الحريري: زعيم هجر شعبه... والعودة ليست غفراناً"

في زمن تهاوت فيه القيم السياسية، وتلاشت فيه المسؤوليات الوطنية، اختار سعد الحريري أن ينسحب من المشهد السياسي في يناير 2022، تاركًا جمهورًا عريضًا عاش وفاءً لرؤية والده الشهيد رفيق الحريري. قرار "تعليق العمل السياسي" لم يكن مجرد انسحاب، بل كان بمثابة طعنة في ظهر جمهور تحمل لأجل الحريريين الضغوطات والتضحيات، ليجد نفسه فجأة بلا قائد، وبلا مستقبل سياسي.

رفيق الحريري لم يكن مجرد زعيم سياسي، بل كان رمزًا لرؤية شاملة للبنان جديد، مبني على الحوار والإعمار. جمهور هذا التيار لم يتخلَ يومًا عن ولاءه، ووقف جنبًا إلى جنب مع سعد الحريري في أشد المحن، سواء في اغتيال الوالد، أو خلال الأزمات المتكررة التي عصفت بالبلد. ولكن ماذا كان المقابل؟

اختار سعد أن يبتعد، وترك الساحة لمن لا يستحق. الجمهور الذي ملأ الساحات تحت شعار "ما في خوف"، وجد نفسه فجأة يتيمًا، بلا قيادة ولا توجه. لم يكتفِ الحريري بالصمت، بل اكتفى بدور المشاهد البعيد من أبو ظبي، بينما كانت الساحة السنية تُنهش سياسيًا وتُترك للفراغ.

اليوم، ومع عودة الحديث عن ظهور سعد الحريري في ذكرى اغتيال والده، يبدو أن الزعيم السابق يريد أن يعيد تسويق نفسه كمنقذ للطائفة السنية، التي فقدت مكانتها السياسية خلال غيابه. لكن هل يدرك الحريري أن الجمهور الذي هجره قبل ثلاث سنوات قد تعب من الوعود الفارغة والخطابات الرنانة؟

اللافتات والشعارات التي تُرفع اليوم في بعض المناطق ليست دليلًا على ولاء شعبي، بل هي محاولة لاستعادة ما فقده التيار الأزرق بسبب قرارات الحريري العشوائية وغير المسؤولة. عودته الآن تبدو وكأنها محاولة أخيرة لإنقاذ إرثه السياسي، الذي كاد أن يتحول إلى ذكرى باهتة في ظل غياب أي رؤية واضحة أو استراتيجية لإعادة بناء التيار.

منذ تأسيس تيار المستقبل، كان الدعم السعودي أحد الركائز الأساسية لبقاء الحريري في الساحة. ولكن غيابه الطويل عن لبنان، وتراجع تأثيره، يطرحان سؤالًا: هل السعودية ما زالت ترى في سعد الحريري زعيمًا يمكن أن يمثل الطائفة السنية؟

غياب أي دعم سعودي علني، وافتقار الحريري لتحركات واضحة تشير إلى أن الرياض لم تعد ترى فيه القائد الوحيد للسنة، بل ربما مجرد ورقة سياسية تُستخدم عند الحاجة. وإن صح ذلك، فإن العودة الحالية للحريري ليست سوى استغلال ظرفي لفراغ سياسي، دون أي رؤية حقيقية للمرحلة المقبلة.

إلى سعد الحريري، نقولها بكل وضوح: جمهور رفيق الحريري ليس سلعة سياسية تُستغل عند الحاجة. هذا الجمهور الذي صمد في وجه الأزمات وقدم التضحيات، يستحق قائدًا يكون بجانبه في السراء والضراء، لا زعيمًا يهرب عند اشتداد الأزمات ثم يعود عندما تبدو الساحة مهيأة لاستقباله.

إذا كنت ترى نفسك زعيمًا بحق، فإن العودة يجب أن تبدأ باعتذار صريح وواضح لجمهورك الذي تخليت عنه. يجب أن تعترف بأنك خذلت أهل السنة، وتركتهم في مواجهة التحديات دون سند سياسي.

قد ينجح سعد الحريري في استقطاب الأنظار في ذكرى 14 شباط، وقد يستطيع أن يجمع الحشود حوله، ولكن استعادة الثقة التي خسرها تتطلب أكثر من الخطابات والشعارات. عودته إلى الحياة السياسية يجب أن تكون مبنية على رؤية واضحة ومشروع وطني جامع، لا مجرد استعراض شعبوي يهدف إلى استعادة مكانة سياسية فقدها بسبب قراراته غير الحكيمة.

الجمهور اللبناني ليس جمهور شعارات، ولن يغفر لمن تخلّى عنه بسهولة. فهل يستطيع الحريري مواجهة هذه الحقيقة، أم أنه سيكتفي بلعب دور الزعيم الذي عاد فقط لأن الظروف السياسية سمحت بذلك؟