ترامب وخارطة العالم الجديدة: هل تصبح غزة ولاية أميركية؟

بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

ترامب وخارطة العالم الجديدة: هل تصبح غزة ولاية أميركية؟

من أين يستلهم دونالد ترامب أفكاره التي تذهل العالم تارةً، وتفزعه تارةً أخرى؟ هل هي وليدة اللحظة، أم أنها نتيجة حسابات مدروسة تخرج في توقيتٍ محسوب بعناية؟

حين خرج الرئيس ليقترح أن تكون غزة تحت سيطرة الولايات المتحدة بعد إعادة إعمارها، وتحويلها إلى وجهة سياحية عالمية، بدا الأمر كما لو كان مزحة سياسية ثقيلة. لكن المفارقة أن هذا الطرح ليس بجديد، بل إن جذوره تعود إلى سنوات خلت، تحديدًا إلى صهره ومستشاره جاريد كوشنر.

كوشنر، أثناء دراسته في جامعة هارفارد، شحذ عقليته الاستثمارية وقال حينها إن غزة تملك واحدة من أجمل الواجهات البحرية في العالم، وأنه بدل الغرق في مستنقع السياسات المعقدة، يمكن استغلال موقعها وتحويلها إلى مركز سياحي ضخم. هذه الفكرة وجدت صداها لدى ترامب، لكنه، كعادته، أراد شيئًا أكبر وأكثر دراماتيكية: لماذا الواجهة البحرية فقط؟ لماذا لا تكون غزة بأكملها؟ ولم لا تمتد هذه الرؤية إلى مشروع أوسع يشمل كندا وبنما أيضًا؟ لماذا لا يتوسع الحلم الأميركي ليشمل أماكن جديدة، حتى لو كانت على بعد آلاف الأميال؟

التاريخ يخبرنا أن مسألة الضم بين الدول لم تكن يومًا قائمة على معايير أخلاقية أو قانونية صارمة، بل كثيرًا ما كانت مجرد انعكاس لرغبة زعيم أو رؤية سياسية غير متوقعة. فلاديمير بوتين ضم القرم، ثم توغل في أوكرانيا بلا هوادة. فهل يكون ترامب هو النسخة الأميركية من هذه اللعبة؟

المسافة لا تعني شيئًا في السياسة، تمامًا كما لم تكن تعني شيئًا في التوسع الأميركي السابق. فإذا كانت هاواي تبعد عن واشنطن خمسة آلاف ميل، فلماذا لا تكون غزة على بعد ستة آلاف ميل جزءًا من هذا الامتداد؟ أليس من المنطقي تحويل القطاع إلى جنة سياحية مزدهرة بدل أن يكون مسرحًا للأزمات والكوارث؟

لفهم هذه الرؤية الترامبية، لا بد أن نعود إلى فلسفة "الوطن" في العقل الأميركي. كثير من الولايات الأميركية لم تأتِ عبر نضالات طويلة أو حروب استقلال، بل ببساطة تم شراؤها بـ"الكاش"، دون حاجة لمعارك أو شعارات ثورية. والمال، كما نعلم، لا يعترف بالحدود، ويمكنه إعادة تشكيل الجغرافيا بلمح البصر.

تخيل للحظة—بالنيابة عن ترامب—أنك مواطن كندي، تستيقظ ذات صباح لتكتشف أنك أصبحت أميركيًا دون سابق إنذار! أو بنمي، أو حتى أوكراني. قرون من التاريخ، الثقافة، المعاناة، الأمل، والحنين… ثم فجأة، قرارٌ سياسي واحد يقلب كل شيء.

لكن، إلى أين بعد ذلك؟ لا أحد يعرف. ربما إلى خيام مؤقتة، أو شاحنات تحمل المجهول، أو انتظار طويل للأدوية التي لم تصل بعد. لكن لا تقلقوا، حين تستيقظون، ستكون أمامكم أفخم المنتجعات السياحية في رفح وجباليا... إنها فقط البداية!