السنّة في لبنان: طائفة على حافة القطيعة
بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

الطائفة السُّنّية في لبنان تمرّ بواحدة من أخطر لحظات تاريخها السياسي الحديث. ليست المسألة أزمة تمثيل عادية، ولا غياباً مؤقتاً في لعبة المحاصصة. ما نشهده اليوم هو تحوّل عميق في المزاج الشعبي السُّنِّي، قد يفضي إلى قطيعة شاملة مع طبقتها السياسية، وخصوصًا النواب الذين يفترض أنهم يمثلونها، ولا يفعلون.
في كل بلد تحكمه التوازنات الطائفية، الصوت لا يُقاس بالحجم الديموغرافي فقط، بل بمدى التماسك السياسي ووضوح الرؤية. الطائفة السنية، رغم أنها إحدى أكبر الطوائف في لبنان، تعيش اليوم فراغاً تمثيلياً مخيفاً. لم تعد الكتلة النيابية السنية تعبّر عن تطلعات الشارع. ولم يعد الناس يرون في نوابهم من يقاتل من أجلهم، أو حتى من يسمعهم.
الصوت السني غائب في السياسات الكبرى. مهمّش في الملفات الإنمائية. مشوّش في الخطاب. الطائفة التي كانت ذات يوم عموداً في توازنات البلاد، أصبحت تهمس بدل أن تصرخ، وتتفرج بدل أن تُحاسب.
النواب السُّنّة: أين أنتم؟
العتب اليوم في الشارع السني لم يعد همساً. الناس تعبّر عن غضبها بوضوح. يقولها المواطنون في بيروت وطرابلس وصيدا وعكار: "نحن بلا نواب". ليس لأن المجلس فارغ، بل لأن الحضور النيابي السني تحول إلى ما يشبه الغياب السياسي التام.
النواب السُّنّة لا يدافعون عن الناس في وجه البطالة، التهميش، التطرّف، العنف، غياب الدولة. لا يحملون ملفّات المناطق. لا يعترضون. لا يقدّمون بدائل. معظمهم منشغلون بمقاعدهم، لا بمصير جمهورهم.
الطائفة السنية لا تطالب بشعارات… بل تطالب بحضور.
رسالة إلى رئيس الحكومة: الوقت لا يحتمل التأخير
رئيس الحكومة، وهو الموقع الأعلى للطائفة السنية في الدولة، لا يزال يحتفظ بهيبته ومكانته لدى جزء من الجمهور، لكنه اليوم أمام مسؤولية دقيقة وتاريخية. عليه أن يستمع جيداً إلى هذا الصمت الغاضب في الشارع. فالناس لا تريد الصدام، لكنها لم تعد تثق بمن خذلها.
لا يُطلب من رئيس الحكومة أن يحمل الطائفة على كتفيه، بل أن يكون صوته حقيقياً وفعّالاً في حماية التوازن الوطني، وفي ضمان ألا تبقى طائفته خارج المعادلة.
غياب الزعامات التقليدية، وتراجع الخطابات الكبرى، ولّد فراغاً لم يُملأ بعد. لكن ذلك لا يعني النهاية. بل بداية جديدة. فالمزاج السني العام اليوم يتحرك نحو وعي سياسي جديد، يريد خطاباً وطنياً، عابراً للطائفية، لكن من دون التنازل عن الكرامة والحقوق.
الطائفة لا تطلب امتيازات. بل تطالب بالعدالة، بالحضور، وبكسر التهميش.
تطالب بقيادة تشبهها، وتفهمها، وتقاتل من أجلها.
ما يجري اليوم ليس ثورة. وليس تمرداً. لكنه تحوّل. تحوّل في الصمت، في المزاج، في طريقة التفكير. الطائفة السنية في لبنان بدأت تفقد إيمانها بالنواب الذين يفترض أنهم يمثلونها. الرسالة لهم واضحة: أنتم خارج وجدان جمهوركم.
أما رئيس الحكومة، فالمطلوب منه أن يستعيد الإيقاع، أن يسمع بعمق، أن يتحرك بثقة، قبل أن تضيع البوصلة. لأن الوقت لا يعمل لصالح أحد.