محمود عباس في بيروت: نهاية زمن السلاح الفلسطيني... وإعلان ولادة الدولة داخل الدولة اللبنانية

بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

محمود عباس في بيروت: نهاية زمن السلاح الفلسطيني... وإعلان ولادة الدولة داخل الدولة اللبنانية

في زيارة حملت ما هو أكثر من البروتوكول، وأكثر من تهنئة لرئيس لبناني جديد، وصول محمود عباس (أبو مازن) إلى بيروت كمن يقلب صفحة عمرها أربعة عقود من الشك، والدم، والمخيمات التي كانت "دولة داخل الدولة".

 

للمرة الأولى منذ 2011، يدخل رئيس السلطة الفلسطينية بيروت، لا كلاجئ سياسي رفيع المستوى، بل كرأس دولة يحمل عرضًا غير مسبوق: "لا سلاح خارج شرعية الدولة اللبنانية".

 

هذا ليس تصريحًا عادياً، بل زلزال سياسي في وجدان العلاقة اللبنانية ـ الفلسطينية. فالذي قاله "فتح"، عبر قيادي بارز فيها، هو أقرب إلى إعلان نهاية عهد السلاح الفلسطيني المتفلت، وبدء هندسة جديدة للوجود الفلسطيني على الأراضي اللبنانية: مدني، منضبط، متعاون، وخاضع لسيادة الدولة.

 

الزيارة الأخطر منذ الطائف

 

لم يأتي عباس إلى بيروت فقط ليصافح جوزاف عون، أو ليضع باقة ورد على اتفاق لبناني ـ فلسطيني سابق، بل جاء مدفوعاً بتحولات إقليمية عميقة: سقوط النظام في سوريا، تفكك المحور الإيراني ـ السوري ـ الفلسطيني الراديكالي، واندفاعة عربية جديدة نحو تثبيت مفهوم الدولة.

 

في صلب هذه الزيارة، بند شديد الحساسية: السلاح الفلسطيني. ففي بلد يحصي أنفاس البنادق الطائشة ويعيش على وقع المعادلة الشهيرة "لا سلاح إلا بيد الدولة"، يأتي عباس ليعلن من بيروت: "نحن أيضاً نؤمن بهذه المعادلة".

 

تفكيك القلاع المسلحة

 

ما جرى خلال الأشهر الماضية، لم يكن عادياً. مراكز تابعة لـ"فتح الانتفاضة" و"الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة" في قوسايا، كفرزبد، الناعمة، وغيرها، تم تفكيكها بالكامل دون طلقة نار واحدة. الجيش اللبناني استلم، و"فتح" صفّقت، و"حماس" صمتت مرغمة بعد أن سُلّم 4 من عناصرها المتورطين بإطلاق صواريخ.

 

وللمرة الأولى، يعترف قيادي في "فتح" أن ما حصل في الماضي كان خطأ، بل "خطيئة"، وأن الوقت حان لردّ الجميل للبنان، الذي دفع من دماء أبنائه ثمناً للقضية الفلسطينية.

 

عين الحلوة: التجربة الأخيرة؟

 

كل الأنظار تتجه اليوم إلى عين الحلوة، حيث ما تبقّى من "سلاح عنيد" داخل حيّي الطوارئ والتعمير، وسط معلومات عن أن الجيش اللبناني سيبدأ عملية ضبط منظمة بالتعاون الكامل مع "هيئة العمل الفلسطيني المشترك".

 

في السياق، يهمس مصدر أمني أن المعادلة تغيّرت: "اليوم، الفلسطينيون هم شركاء في الأمن، لا خصوم له".

 

ما فعله عباس في بيروت، تاريخي أكثر مما هو سياسي. هذه ليست زيارة عادية لرئيس منفى، بل حضور قائد يقول للبنان: أنتم الدولة ونحن الضيوف. لا مخيمات مسلّحة بعد اليوم، ولا مناطق خارجة عن القانون.

 

هل يصدق الشارع اللبناني هذا الكلام؟ وهل تفي "فتح" بوعودها؟ أم أن الخلايا النائمة و"الوصايات الإقليمية" ستفرمل اندفاعة عباس؟

 

اللبنانيون، الذين اكتووا بنيران الحرب الأهلية، لا يثقون بالشعارات المجانية. لكن ما فعله عباس ـ إذا تُرجم فعلاً على الأرض ـ قد يكون أهم هدية من الشعب الفلسطيني للبنان، منذ النكبة حتى اليوم.

 

عباس، بخطوته الجريئة، يضع لبنان أمام فرصة استثنائية: تصفير الحساب مع الماضي، وفتح طريق جديد للسلام داخل المخيمات وخارجها.

 

فهل نعيش لحظة الحقيقة؟ أم أن التاريخ سيكرر نفسه في عين الحلوة؟