الدولة أولًا: معركة العرب لاستعادة السيادة وكسر نفوذ الميليشيات

بقلم الكاتب و الباحث السياسي عبد الحميد عجم

الدولة أولًا: معركة العرب لاستعادة السيادة وكسر نفوذ الميليشيات

لا تزال فكرة "المقاومة" تهيمن على عقول العديد من المحللين في العالم العربي، وكأنها معتقد راسخ يستحيل القضاء عليه بالقوة وحدها. يرى البعض أن الحل لا يكمن في المواجهة العسكرية، بل في بناء سردية بديلة تكون قادرة على إلهام العقول وتحفيز الهمم. هذه الفكرة، التي روّج لها دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، اعتبرت أن تنظيمات مثل "القاعدة" و"داعش" ليست مجرد حركات سياسية، بل معتقدات عميقة يصعب اقتلاعها، حيث يندفع أتباعها إلى التضحية بأنفسهم من أجلها.

 

لكن الحقيقة تكمن في أن هذا النهج بُني على افتراضين خاطئين: الأول هو سوء الظن بالإسلام وتصويره على أنه دين عنف، والثاني هو فقدان الثقة بالدولة في العالمين العربي والإسلامي، مما دفع المتطرفين إلى اعتبار أنفسهم بديلاً شرعياً لها.

 

المفارقة أن من وقف في وجه هذا الفكر المتطرف كان المسلمون أنفسهم، إلى جانب المجتمع الدولي. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن: أين هي الإنجازات التي حققها هؤلاء "الجهاديون"؟ ما الذي يدفع الشباب لاتباعهم في ظل الهزائم المتكررة والدمار الهائل؟

 

في فلسطين ولبنان، تتجدد الأسئلة حول فعالية الميليشيات المسلحة. فتنظيم "حماس" في غزة و"حزب الله" في لبنان، رغم شعارات المقاومة، لم يحقق أي إنجاز حقيقي يمكن أن يُقنع المتابعين بعدالة قضيتهم. آلاف الضحايا، ودمارٌ هائل، وخسائر فادحة في الأرواح والممتلكات. متى نجحت هذه الميليشيات في تحرير أرضٍ أو بناء دولةٍ تحفظ كرامة شعبها وتوفر الأمن لمواطنيها؟

 

الغريب أن أغلب الخاضعين لحكم هذه الجماعات لا يرون فيها سوى مصدرًا للمعاناة والتدمير. وها هم الملايين في غزة اليوم يناشدون "حماس" للتخلي عن السيطرة، أملاً في الحفاظ على حياتهم وإنقاذ ما تبقى من مستقبلهم.

 

أما في لبنان، فقد أصبح من الواضح أن لا خيار أمام اللبنانيين سوى العودة إلى الدولة. اتفاق "حزب الله" على الانسحاب من جنوب الليطاني يمثل فرصة حقيقية لوضع حدٍّ لاستخدام السلاح في الداخل، وإنهاء التبعية لإيران، التي جلبت الويلات ليس فقط للبنان، بل أيضاً لسوريا والعراق واليمن.

 

الميليشيات لم تكن يومًا خيارًا لغالبية اللبنانيين. وإن افترضنا أن الحزب كان يمثل بديلاً في مرحلة ما، فإن الهزائم المتكررة أثبتت أن هذا البديل عاجز عن تحقيق أي هدف وطني حقيقي. اللبنانيون اليوم يسعون لبناء دولة شرعية تمثل الجميع وتحظى بدعم عربي ودولي، دولة تنهي سلطة السلاح الخارج عن القانون وتعيد الأمن والاستقرار إلى ربوع البلاد.

 

حتى في فلسطين، يبدو أن الدولة الوطنية هي الخيار الوحيد القابل للتحقيق، رغم تعنت الاحتلال الإسرائيلي. بقاء الميليشيات المسلحة يعني استمرار انعدام الاستقرار، وقد يؤدي في النهاية إلى موجات تهجير جديدة.

 

تجارب الدول الوطنية لم تكن ناجحة دومًا، خاصةً تلك التي خضعت لانقلابات عسكرية أو سيطرة خارجية. في كلتا الحالتين، استُخدمت الميليشيات كأدوات لفرض الهيمنة، لا لبناء الأوطان.

 

في اللحظة التي كنت أكتب فيها هذا المقال، وردت أخبار عن استعداد "حماس" للخروج من إدارة غزة، ومشروع بيان وزاري لبناني ينص على حصرية السلاح بيد الدولة، وتوليها وحدها قرار الحرب والسلم. فهل نحن أمام بداية حقيقية لنهاية الميليشيات وعودة الدولة؟

 

الأمل ما زال قائمًا، لكنه يتطلب إرادة قوية من الشعوب ودعمًا حقيقيًا من المجتمع الدولي. وحدها الدولة القادرة على ضمان الأمن، وتحقيق العدالة، وتأمين مستقبلٍ أفضل للأجيال القادمة.