المشروع الإسرائيلي: تهديد مستمر وتحديات عربية متصاعدة

بقلم رئيسة التحرير ليندا المصري

المشروع الإسرائيلي: تهديد مستمر وتحديات عربية متصاعدة

لطالما كرر المسؤولون الإسرائيليون، قبل الحروب وخلالها وبعدها، تهديداتهم بإعادة دول بأكملها إلى العصر الحجري. وقد برز هذا الخطاب العدائي بشكل متكرر تجاه لبنان وحزب الله، كما تجاه قطاع غزة وحركة حماس، حيث تباهى الإسرائيليون بتدمير مقومات الحياة في غزة لدفع سكانها نحو التهجير القسري. يعكس هذا التوجه طموحًا إسرائيليًا ثابتًا لجعل دول الجوار إما خاضعة للمشروع الإسرائيلي أو تابعة له، في إطار ما يمكن وصفه بالسعي إلى “إسرائيل الكبرى” أو “إسرائيل العظمى”. هذا الطموح لا يقتصر فقط على الدول التي تعلن صراحة رفضها للمشروع الإسرائيلي، بل يمتد إلى كل دولة عربية تمتلك مقومات القوة، سواء سياسياً أو اقتصادياً، إذ ترى إسرائيل أن وجود مشروع عربي قوي أو دولة عربية مؤثرة يتعارض مع استراتيجيتها في الهيمنة على المنطقة.

 

الحروب الإسرائيلية في فلسطين، سواء في غزة أو الضفة، إلى جانب لبنان وسوريا، لا تقتصر على الجغرافيا فحسب، بل تتداخل مع أبعاد ديمغرافية وسياسية واقتصادية أوسع، تستهدف دولاً عربية رئيسية. مصر، على سبيل المثال، تواجه تهديدًا مباشراً مع محاولات إسرائيل دفع الفلسطينيين نحو التهجير من قطاع غزة، وهو ما تعتبره القاهرة خطراً يهدد أمنها القومي والاجتماعي. هذه الأزمة لا تقتصر على الضغط الخارجي، بل تنعكس داخليًا، ما يضع النظام المصري أمام تحديات غير مسبوقة.

 

الأمر نفسه ينطبق على الأردن، الذي يُنظر إليه في الأوساط الإسرائيلية كوجهة محتملة لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، مما يشكل تهديدًا وجوديًا للنظام الأردني والمجتمع ككل. ولا يقتصر الضغط الإسرائيلي على التهجير فقط، بل يترافق مع تهديدات أميركية، كما ظهر في عهد دونالد ترامب، الذي لوّح بقطع المساعدات عن مصر والأردن في حال عدم امتثالهما للمخططات الإسرائيلية-الأميركية في المنطقة.

 

مؤخراً، وجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تهديدًا مباشرًا للسعودية، عندما تحدث عن إمكانية إقامة دولة فلسطينية على أراضيها. جاء هذا التصريح في سياق الرد على مواقف الرياض الرافضة لتهجير الفلسطينيين وتأكيدها على ضرورة حل الدولتين، وهو الطرح الذي ترفضه إسرائيل تمامًا، كما لا يحظى بتأييد يذكر داخل الدوائر السياسية الأميركية. تصريح نتنياهو لم يكن مجرد زلة لسان، بل يشكل تهديدًا ضمنيًّا للسعودية، خاصة في ظل الشعبية الواسعة التي تحظى بها القضية الفلسطينية في المجتمع السعودي، حيث تبرز استطلاعات الرأي مدى التعاطف والتأييد للفلسطينيين ورفض الحرب الإسرائيلية على غزة.

 

يأتي هذا التطور بالتزامن مع تحركات سياسية أميركية، حيث يستعد ترامب لممارسة ضغوط مباشرة على السعودية بهدف فرض اتفاقيات تصب في مصلحة إسرائيل. ومن المتوقع أن تتزايد هذه الضغوط خلال الفترة المقبلة، مع الحديث عن زيارة مرتقبة لترامب إلى الرياض لمحاولة فرض رؤيته للمنطقة.

 

إسرائيل لم تكتفِ بالمواجهات العسكرية، بل عملت لعقود على استغلال الصراعات الداخلية في المنطقة لتقويض قوة الدول العربية وإضعاف مؤسساتها. وقد سعت بشكل منهجي إلى تغذية النزاعات الطائفية والمذهبية والقومية، مستغلة النفوذ الإيراني في المنطقة كفزاعة لإقناع بعض الدول العربية بالتحالف غير المباشر معها لمواجهة إيران. هذا النهج أدى إلى تفكيك دول مثل العراق وسوريا، وأبقى لبنان في حالة عدم استقرار دائم، كما أعاق أي محاولة لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة.

 

في ظل هذه التهديدات المتصاعدة، تأتي الدعوة إلى قمة عربية طارئة في نهاية الشهر الجاري، بهدف بلورة موقف موحد يرفض المشاريع الإسرائيلية، خصوصًا ما يتعلق بتهجير الفلسطينيين والتهديدات التي تستهدف مصر والأردن، إضافة إلى بحث سبل الضغط من أجل انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من لبنان وسوريا. هذه القمة تمثل محطة مفصلية في إعادة إنتاج موقف عربي قوي، يستند إلى منظومة دفاعية تشمل الأبعاد الأمنية والعسكرية، إلى جانب الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 

إسرائيل، التي تجد مشروعها التوسعي في مأزق، قد تلجأ إلى استراتيجية جديدة تتمثل في إضعاف الدول الكبرى بدلًا من توسيع نفوذها الجغرافي، عبر تغذية الصراعات الداخلية وتقويض أي مشروع عربي مشترك. لذلك، فإن المرحلة المقبلة تتطلب يقظة عربية حقيقية، قائمة على إدراك خطورة هذا المشروع والتعامل معه باستراتيجيات مضادة تحمي المصالح العربية وتضمن استقرار المنطقة.